Monday, July 2, 2012

تغير صورة الفارس والأميرة مابين فاطمة جول وسنووايت

تنبيه للقاريء: بالعرض كشف لحبكة العمل الدرامي
Image fromhttp://medyadizim.blogspot.com/
قادتني الصدفة إلى مسلسل تركي جديد جذب الانتباه مرة أخرى إلى الدراما التركية ويحمل اسم "ما ذنب فاطمة جول ؟" أو "فاطمة" حسب النسخة المدبلجة باللغة العربية والذي انتهى التليفزيون التركي من عرضه مؤخرا. لاحظت من خلال متابعتي لتعليقات مستخدمي "اليوتيوب" على المسلسل والصفحات التي أنشئها محبو المسلسل لمتابعة أخباره ومناقشة حلقاته على "الفيس بوك" افتتان النساء بشخصية "كريم" وأسلوب عشقه "لفاطمة"، والذي ساهم في دعمه أداء الممثل التركي Engin Akyürek  "إنجين أكيورك" البارع في تجسيد الشخصية بانفعالاتها المختلفة.

وبعيدا عن جاذبية "كريم" فإن قصة المسلسل في ذاتها تستحق التأمل. يحكي المسلسل قصة فتاة ريفية فقيرة من أزمير تتعرض لحادث اغتصاب اشترك فيه ثلاثة شباب أثرياء مدللين وشاب رابع بسيط الحال لم ينتهك "فاطمة" جسديا لكنه لم يحرك ساكنا لحمايتها ومنع الاعتداء عليها وهو "كريم". ويقوم ذويهم  بالتعاون مع زوجة أخيها، التي تلقت مقابل ذلك مبلغا من المال، بالتلاعب بالأدلة وتشويه الحقيقة وتهديد الفتاة وإجبارها على الزواج من "كريم" والانتقال للعيش معه بإسطنبول، فيما يفسخ خطيبها خطبته منها لأن شرفها قد تلطخ من وجهه نظره. قُدمت تلك القصة من قبل في فيلم سينمائي تركي حمل الاسم نفسه عام 1986 عن رواية للكاتب التركي Vedat Türkali بذات العنوان أيضا ومستلهمة من قصة حقيقية. إلا أن تفاصيل الفيلم والرواية تختلف عن تفاصيل قصة المسلسل، وهو اختلاف ذكي اقتضاه في رأيي تطور نظرة المرأة إلى ذاتها ونظرة المجتمع إليها عبر مرور السنين فَطن إليه القائمون على كتابة المسلسل. كان الهدف من الرواية وقت صدورها لفت الأنظار إلى ثغرة في القانون التركي تعفي المغتصب من العقاب إذا ما تزوج من ضحيته لمدة عام. وفقا للرواية والفيلم يشترك "كريم" في الاعتداء جسديا على "فاطمة"، وكما تجبر "فاطمة" على الزواج منه يجبر هو أيضا من قبل رفاقه الأثرياء على حمل وزر الجريمة بمفرده والزواج منها. على عكس المسلسل كان "كريم" في البداية قاسيا على "فاطمة" لحد الاعتداء عليها بالضرب وعلى عكس المسلسل أيضا كانت "فاطمة" فتاة منكسرة تسعى لكسب قلب زوجها بالرغم من أنه واحد من مغتصبيها. بالتأكيد عندما يعاد تقديم تلك القصة في عام 2011 (بداية عرض الموسم الأول من المسلسل2010-2011) يكون من المستحيل أن تقع "فاطمة" في حب من قام باغتصابها، لذا كان لازما أن يكون "كريم" غير مشارك جسديا في الاغتصاب. وكان لازما أن يعتصر الألم والندم روحه وأن يسعى لمساعدتها في معاقبة الجناه، وهو منهم، أملا في الوصول إلى قلبها.  

وهنا ألمس اختلافا صريحا، ربما أصبح من الضروري دعمه والتأكيد عليه، في تصوير علاقة الفارس المنقذ بالأميرة الوديعة[1] ، اختلاف أصبح يلقى رواجا عند المتلقي، لاسيما النساء، ليس في قصة مسلسل "فاطمة" فقط ولكن حتى في إعادة إنتاج السينما الأمريكية  لحكايات شعبية كلاسيكية مثل "بياض الثلج والاقزام السبعة" كما سأتناول لاحقا. فنجد أن نجاح "كريم" في الوصول إلى قلبها قد جاء بدعمها في استعادة حياتها وثقتها بذاتها بالعودة إلى الدراسة وتحقيق استقلاليتها المادية والقصاص من مغتصبيها. وحتى بعد أن سامحت  "فاطمة" "كريم" ووثقت به لم يشأ أن يقترب منها في علاقة حميمية حتى تشعر هى بأنها ترغب فيه. ومن هنا أحبت النساء "كريم" وتلك العلاقة الفريدة التي جمعته و"فاطمة" التي نجدها صاحبة إرادة وعزيمة على مواصلة حياتها بالصورة التي ترضاها لذاتها رافضة لأية حماية نفسية تفرض عليها بإصرارها على حضور جلسات محاكمة مغتصبيها لتواجههم وتنظر إلى أعينهم، كما نجدها تساعد فتاة أخرى اغتصبت على القصاص من مغتصبها. 

فطنت السينما الأمريكية هي الأخرى لضرورة تقديم صورة مغايرة لشكل العلاقة بين الفارس وأميرته. فلم يعد فارس الحكايات هو من يقتل التنين أو الساحرة الشريرة بمفرده لينقذ الأميرة ثم يقبلها تلك القبلة السحرية التي تعيد الحياة إليها. فقد شاهدت مؤخرا مع ابنتي فيلم "مرآتي يا مرآتي" أو "Mirror Mirror" (وهي الجملة الشهيرة على لسان الملكة الشريرة في قصة سنووايت أو بياض الثلج والأقزام السبعة التي يحفظها معظمنا عن ظهر قلب) وفيه تتحدى الأميرة الملكة وتكون مع الأقزام السبعة عصابة لسرقة الأموال التي تنهبها الملكة من الشعب لتعيدها إليهم. كما تدخل الأميرة في مبارزة مع الأمير تفوز فيها عليه، بل وتمنحه هي القبلة الشهيرة لتزيل بها أثر السحر الواقع عليه من قبل الملكة. وفي مشهد من مشاهد النهاية يقف الأمير والأميرة جنبا إلى جنب في مواجهة وحش كاسر أطلقته الملكة عليهم. وعندما ينقلب السحر على الساحر و يتضح أن هذا الوحش ما هو إلا الملك الذي يعود إلى هيئته تشرح الأميرة لأبيها كيف ساعدها الأمير الذي يرد بدوره قائلا "لم يكن لدي أي فضل فالأميرة أكثر من قادرة على رعاية نفسها". بعد انتهاء الفيلم قالت ابنتي: تروقني "سنووايت" الجديدة أكثر، وعندما سألتها مستفسرة عن السبب أجابت ابنتي ذات الست سنوات بكل بساطة: لأنها لم تأكل التفاحة!
Image from http://extendedcut.blogspot.com 



[1] كانت الأديبة المصرية لطيفة الزيات سباقة في تقديم شكل مختلف لتلك العلاقة الأزلية إلى المجتمع المصري في شخصية حسين بطل رواية الباب المفتوح، ولكن تلك قصة أخرى.