Thursday, March 7, 2013

الكتب الطائرة المذهلة لمستر موريس ليسمور

 http://en.wikipedia.org
 أسرني "موريس ليسمور" بأناقته الكلاسيكية..وعينيه الواسعتين الشغوفتين..ودفتره الذي يحمله معه أينما ذهب يُدون فيه قصته بأفراحها وأتراحها..فكل منا قصة تستحق أن تروى وحكاياتنا التي نتداولها ونتوارثها هي التي تمنح حياتنا معنىً ودفئا ولونا..هكذا يرى "موريس ليسمور" الشخصية التي ابتدعها كاتب الأطفال والرسام والمخرج الأمريكي "وليام جويس"  William Joyce  واكتملت ملامحها وقصتها عام 2011 عندما قدمها لأول مرة في شكل تطبيق للأيباد يحمل اسم "الكتب الطائرة المذهلة لمستر موريس ليسمور"، ثم في فيلم متحرك قصير حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم متحرك لعام 2012 وأخيرا في شكل كتاب مطبوع للأطفال.

تحكي القصة عن "موريس" الذي يعشق الكتب والحكايات، ويقضي معظم وقته يقرأ أو يكتب خواطره في دفتره، إلى أن اجتاح إعصار قوي مدينته فقلب حياته وحياة الناس من حوله رأسا على عقب.. فيهيم "موريس" على وجهه حاملا دفتره بعدما تناثرت حروف الكلمات التي يضمها في الهواء وبعدما فقدت الحياة من حوله ألوانها (تفقد الرسوم في القصة ألوانها ليسود اللونان الابيض والأسود)..حتى بدت له في الأفق امرأة تحلق في إنسياب بواسطة سرب بهيج من الكتب الطائرة.. ينبهر "موريس" بسرب الكتب الطائرة فيقذف بدفتره إلى الهواء ليرى إذا ما كان بإمكانه أن يطير كتلك الكتب التي تحلق بها المرأة، ولكن دفتره يقع على الأرض محدثا صوتا مكتوما كئيبا. تدرك المرأة أن "موريس" ببساطة يحتاج إلى قصة جيدة فترسل إليه بكتابها المفضل الذي يقف أمام "موريس" فاتحا ضفتيه لتظهر صورة بطله اللطيف "هامتي دامتي" الذي يحث "موريس" أن يتبعه. يقوده الكتاب إلى مبنى مهيب رائع ترفرف حوله الكثير من الكتب.. يدلف "موريس" إلى الداخل ليجد آلاف الكتب التي دبت فيها الحياة تقف بانتظاره فاتحة صفحاتها مرحبة فيستعيد "موريس" ألوانه.

يعيش "موريس" وسط الكتب يقرأها ويعتني بها ويُعيرها إلى الناس الذين توافدوا إلي مبنى المكتبة لنجدهم وكأنهم يستردون ألوانهم المفقودة، فكلما لمس أحدهم كتابا تآلف معه وانسابت الألوان إلى جسده الذي كان من قبل مُكتسيا باللونين الأبيض والأسود. ويبدأ "موريس" في كتابة قصته مرة أخرى بأفراحها وأتراحها وتدوين أفكاره وهواجسه ومشاعره في دفتره. وتتعاقب الفصول وتمر السنوات و"موريس ليسمور" يعيش محبا مخلصا للكتب وعوالمها حتى يحين موعد رحيله عن الدنيا الذي يحمل للقاريء مشاهد مؤثرة ونهاية ناعمة ومبهجة.

النسخة المطبوعة من القصة جميلة، ولكن ينبغي علي الاعتراف بمتعة قراءة هذا الكتاب في نسخته الإلكترونية..فبنقرات أصابع بسيطة على شاشة الأيباد يمكن للقارئ أن يتفاعل مع أحداث القصة وتفاصيلها المختلفة..كأن يحرك الرياح ويغير الفصول ويستنطق الكتب ويعزف الموسيقى.

"موريس ليسمور" وكتبه المذهلة هو تحية رقيقة وعميقة للكتب وتأثيرها في حياتنا.. ولكني أراه أيضا يحمل حنينا مسبقا لزمن يغادرنا وينساب من بين أيدينا سريعا، على الأقل في هذا الجزء من العالم، وهو زمن الكتب الورقية.  كتبتُ منذ فترة تدوينة حملت عنوان رائحة الكتب عن رهبة تملكتني إزاء ما حدثتني به اخصائية إعلام ومكتبات مدرسية عن استشراف يرى أن المكتبات في شكلها التقليدي ستختفي من الولايات المتحدة تماما في غضون عشرين عاما لتحل محلها المكتبات الإفتراضية، وهو استشراف ربما تدعمه إحصائية قرأتها مؤخرا عن مركز "بيو"pew  البحثي لشؤون الإنترنت تشير إلى أن أعداد قراء الكتب الإلكترونية في إزدياد. ففي السنة الماضية زاد عدد قراء الكتب الإلكترونية من 16% إلى 23% من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم ستة عشر فما فوق، وفي الوقت ذاته انخفض عدد قراء الكتب المطبوعة من 72% إلى 67% من نفس الفئة العمرية. و فيما يتعلق بالمكتبات فقد تمت إعارة 70 مليون كتاب إلكتروني في عام 2012. وتشير إحصائية بمجلة التايمز الأمريكية إلى أن كتابا من بين كل أربعة كتب تباع بالولايات المتحدة يكون إلكترونيا.

وعودة أخيرة إلى "الكتب الطائرة المذهلة لموريس ليسمور" لنجد أن جمال رسوم القصة ينبع من جمال الكتب الورقية التي كان تكوينها طيعا في يد الرسام فجعلها ترفرف وترقص وتضحك وتبكي، لو كانت تلك الكتب نسخا افتراضية في جهاز قارئ إلكتروني لفقدت القصة حتما سحرها وجمالها ومعناها.