Showing posts with label أوراق قديمة. Show all posts
Showing posts with label أوراق قديمة. Show all posts

Tuesday, June 14, 2011

لو لم أكن مصريا

 كتبت هذه الخاطرة فى مايو 2009 بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على وصولى إلى الولايات المتحدة.. ومازالت مصر الهم الذى لا ينقطع  و مازال يتملكنى شعور بالعجز تجاهها . يعقب الخاطرة تأملات حديثة عن الثورة ..
"لو لم أكن مصريا لوددتُ أن أكون مصريا " تذكرت على التو هذا القول المأثور للمناضل المصرى "مصطفى كامل" الذى كنا ندرس قوله على أنه مبالغة مقبولة ، عندما سألنى شاب أمريكى من أصل أفغانى يحمل من العمر سبعة عشر ربيعاً " لو لم تكونى مصرية أى مكان تتخذينه وطناً أمريكا أم مصر؟" فى محاولة أخيرة منه - حسبما تراءى لى- لفهم و صياغة معنى واضح لمفهوم الوطن الذى لا يعرف عنه سوى ما يحكيه الأهل و ما تتناقله وسائل الاتصال المختلفة . بدا لى أننى أثرت فضول ذلك الشاب " أحمد" بحديثى عن افتقادى لوطنى و أهلى و أصدقائى فأمطرنى بوابل من الأسئلة بدءا من ما الذى أسرنى فى أمريكا؟ و ما الذى افتقده فى مصر؟ و أى البلدين أفضل من وجهه نظرى؟ إلى ما الذى يربطنا بالوطن .. الأرض أم الأهل؟ هو يرغب فى زيارة وطنه الأم أفغانستان يوما ما و لكنه يعتقد أنه سيشعر بغربة شديدة هناك لأن أهله كلهم تقربيا يعيشون بأمريكا ... وطنه الذى اجتاح وطنه الأم كما قال لى ساخرا. فاجأنى أحمد بسؤاله الأخير و لم تكن المفاجأة فى السؤال ذاته بل فى عدم قدرتى على الإجابة . قلت له إنه سؤال يستدعى التفكير ، فبدا عليه القليل من الإحباط .  
ربما كان يبحث فى إجابتى عن بعض السلوى لحيرة شاب فى مقتبل العمر موزع الروح بين ثقافتين و وطنين . هو يرى أن الوطن يتلخص فى الأهل و الأصدقاء و ما يوفره لك هذا الوطن من أمن و رخاء، و لكن أسئلته تشير إلى عدم اقتناعه الكامل بتلك الرؤية. ربما كان يشعر بمسئولية ما تجاه وطنه الأم و يريد طرحا جديدا لرؤيته التى مازالت فى طور التشكل.
تركنى ذلك الشاب فى حيرة من أمرى. لماذا لم أتمكن من الإجابة على سؤاله؟ أهو الخوف من أن تكون إجابتى أمريكا؟ أم لأننى مثله لازلت أبحث عن معنى للوطن؟ لا أنكر إعجابى بأشياء عدة هنا، لعل أبرزها وجود نظام واضح و محدد يتحرك الجميع فى إطاره. و لا أخفى شدة افتقادى للأهل و الأصدقاء ، حتى أننى فى بعض الأوقات أشعر أنه لا ينقصنى سوى وجودهم إلى جوراى ، الأمر الذى قد يجعل من حياتى هنا مثالية. و لا أنكر أنه فى الفترة الأخيرة تملكتنى رغبة فى الابتعاد حتى أتمكن من الاقتراب من جديد..
و لكن تبقى حقيقة واحدة.. لا يختار أحد منا نشأته ووطنه.. مصر هى عشقى و ألمى وهمى الذى لا ينقطع.. هى انتباهاتى واكتشافاتى الأولى  ..هى تمردى على ما هو سائد فيها..هى عجزى عن مواجهه قتلتها و نهابها و فاسديها .. هى هروبى من أحزان ساكنيها...هى خوفى من نارها الدفينة تحت الرماد.
مصر مرور عشوائى و ربيع عاصف..تطرف و تسامح ..تلقائية وتربص.. مصر هى قدرى الذى أحمله معى أينما ذهبت.. فى موسيقى "عمر خيرت" و أغانى" سيد درويش" و " محمد منير" التى تتردد دوماً فى أركان شقتى هنا..فى رباعيات "جاهين" التى تحتل موقع الصدارة على أرفف مكتبتى.. فى لوحة لعظمائها معلقة على حائطى..فى دفتر أوراقى الذى يضم براءة و سذاجة طفولتى.
مصر مسافات قطعتها فى صباى مع صديقات لى جمعت خطواتنا أحلام مقتبل العمر ما تحقق منها و ما لم يتحقق..مصر صورة شعرية لشوقى ، للنيل النجاشى و قلوع المراكب التى تشبه أجنحة الحمام.. نزهة مع والدى فى القلعة و الخيمية و تحت الربع و سوق السلاح.. جولة فى مكتبات وسط البلد.. أمسيات الخميس بنادى المعادى.. ليلة رمضانية فى سيدنا الحسين.. آيات قرآنية تتلوها والدتى بصوتها الحنون لتنير لى الطريق..مصرهى أملى الدائم الذى لا أفقده و لا أعرف لما.
أروى الحكايات و أطلق النكات و أضحك و أبكى بطريقة و نكهة مصرية...مصر هى أنا ..هى بحثى الدائم عنى وسط صخبها و نتاقضاتها .. و سط أحزانها و أحلامها.
  و من هنا يفقد سؤال ذلك الشاب معناه بالنسبة إلىِ ، و يصبح قول "مصطفى كامل" منطقيا و حتميا. فلو لم أكن مصرية لوددت أن أكون مصرية .. لأننى ببساطة لا أعرف إلا أن أكون .. مصرية.
2011
 ثارت مصر و لم أكن هناك .. ثارت مصر و قدر لى أن أشهد ثورتها عبر شاشات التلفزة و أنا عاجزة عن فعل أى شىء .. قدر لى أن أشهد فى غربتى الثورة تعم أرجاء أرضها  التى تحفظ وقع خطواتى و أحلامى . ثارت مصر و لم أكن هناك بين أصدقائى فى الميدان لأستمد منهم الشجاعة و القدرة على الحلم من جديد. ثارت مصر .. و لم أكن هناك.
غيرة .. خجل ..خوف .. شك ..غضب.. وأمل .. تحركت تلك المشاعر و اختلطت داخلى .. غيرة من هؤلاء الشباب الذين استطاعوا إشعال جذوة الحلم .. غيرة من كل من كان فى الميدان .. خجل من ذاتى لأننى لم أملك شجاعة هؤلاء فى فتوة شبابى لأخرج و أفصح و أعلن صارخة عن كل ما يؤلمنى و يقهرنى .. خجل لأن لم يكن باستطاعتى أن أكون هناك ..خوف على أهلى و أصدقائى و أحبائى .. خوف من الفشل.. شك تملكنى تجاه نفسى و سؤال عن إذا ما كانت مبادئى و أفكارى ستثبت و تتغلب على خوفى بذهابى إلى الميدان إذا ما كنت هناك .. غضب من كل من وقف ضد الثوار جهلا أو خوفا أو اعتيادا على حال مؤسف.. أمل فى مصر أخرى جميلة و حرة و أبية.. و أمل فى التخلص من شعور بالعجز يتملكنى كلما تردد اسم مصر.
 

Saturday, April 9, 2011

الثقافة و الحرية و البحث عن دور

 1

كنت أقلب أوراقى القديمة لاختار أيها سأعرضها عليكم فطالعتنى خاطرة كتبتها عام 2003 ادهشنى محتواها لأسباب عدة : 
أولها أنها توثق لبحثى عن دور أقوم به فى مجتمعى ، و لحيرتى آنذاك مما يمكن أن أفعله لمساعدة الناس على التفكير الحر و رؤية العالم بشكل أرحب ، و إذا ما كنت قد خلقت لمثل هذا الدور و إذا ما كان باستطاعتى القيام به . كما توثق لغضب حملته فى تلك الفترة للناس و للحياة فى مصر ، كما تكشف رغبة فى البعاد للبحث عن رؤية جديدة . فى العام التالى حصلت على زمالة برنامج المنح الدولية لمؤسسة فورد الأمريكية و التى تخصص للأفراد الراغبين فى تحصيل العلم للمساعدة فى نهضة مجتمعاتهم ، و عملت بصورة غير منتظمة بالمجتمع المدنى المصرى ، و لكن انشغالى بالدراسة و الأمومة حال دون تطور خبرتى فى هذا المجال ، وتحقق البعاد بعد ذلك بست سنوات . 

وهاأنا بعد مرور عامين على تخرجى من البرنامج و حصولى على درجة الماجستير فى الصحافة و الإعلام و بالرغم من أننى تعلمت الكثير إلا أننى مازلت فى ذات اللحظة التى كتبت فيها تلك الخاطرة .. مازلت أبحث عن دور و مازال الطريق أمامى يبدوغائما. أحيانا يتخذ البعض منا طريقا أطول للوصول. و أنا طريقى متعرج و الثابت فيه هو الحلم الذى لا ينقطع و البحث الذى لا يهدأ. 

ثانى الأسباب أن الخاطرة تتناول ثلاثة كتب  قرأتها آنذاك و هى " معا على الطريق " للمفكر المصرى الراحل خالد محمد خالد و " صور المثقف" للمفكر الفلسطينى الأمريكى الراحل إدوارد سعيد و " وقفة قبل المنحدر .. من أوراق مثقف مصرى " للأديب المصرى علاء الديب . يعزف المؤلفون فيها  نغمة واحدة من البحث فى دور المثقف و الرفض لإرهاب الفكر و الضمير. و أنا حاليا أعيد قراءة  كتاب " أبناء رفاعة " للأديب بهاء طاهر الذى  يبحث فى الفكرة ذاتها (دور المثقف) مع تركيزه على مشروع النهضة المصرية الذى قاده قادة التنوير فى مصر بدأَ من رفاعة الطهطاوى و على مبارك و مرورا بالشيخ محمد عبده و عبد الله النديم و قاسم أمين و وصولا لطه حسين و أزيد عليهم أحمد أمين و أمين الخولى و الشيخ  مصطفى عبد الرازق ، و الذين - فى رأيى - اختلفوا كثيرا عن أجيال المثقفين اللاحقة  بأن كان لديهم مشروع تنويري حقيقي ارتبط فى إحدى جوانبه بشكل مباشر برجل الشارع البسيط و لم يكونوا منهمكين بمخاطبة بعضهم البعض فقط. 

و ثالثا أن الغضب الذى حملته فى الفترة التى كتبتُ فيها تلك الخاطرة  كان من بين أسبابه ملاحظتى لبداية ظهور الفكر السلفى فى مصر و الذى أدركنا توغله الآن فى مصر فى بيئة أصبحت بفعل سنوات القهر و الجهل صالحة لنموه و ازدهاره . 

و رابعا أننى استعدت أثناء قراءتى لخواطرى تلك الشعور نفسه بعدم القدرة و امتلاك الأدوات اللازمة للمساعدة فى  تحقيق التغيير الذى أنشده. بعد ثورة مصر العظيمة و المفاجئة كتبت لى " نشوى" صديقتى الجميلة الحالمة " عودى هذا وقت الشرفاء " ارتبكت لأنى لازالت أحمل ذات الشعور بعدم القدرة و أننى لازلت بحاجة لمزيد من الوقت و الخبرة و العلم و الحكمة لأعود. لازلت إذن فى ذات اللحظة التى كتبت فيها تلك الأوراق . المختلف أن المارد استيقظ فى مصر بعد سبات عميق و أن أملا – لم أشارك فى صنعه للأسف – قد بدأ فى شق طريقه إلى الروح المصرية ، و المختلف ربما أيضا أننى أصبحت أكثر قدرة و جرأة على حسم بعض الأمور و الصراعات و سأرجىء الحديث عنها لتدوينة أخرى.

سأترككم مع خاطرة من أوراقى القديمة و سأعود بعدها للحديث عن كتاب " أبناء رفاعة .. الثقافة و الحرية " الذى كتبه بهاء طاهر مايو 1993 ، حيث تأتى رؤيته التحليلية للمشروع النهضوى الثقافى المصرى المبتور متوافقة مع المشهد السياسى و الاجتماعى و الثقافى فى مصر الآن ، ويأتى سرده التاريخى لما حدث فى مصر ثقافيا و اجتماعيا على مدى قرنين من الزمان مشابها لما نلمسه الآن فى المشهد المصرى ، و كأنه قد كتب على مصر أن تدور فى دوائر و أن تصل بعد السعى إلى ذات نقطة البدء.

مصر الجديدة 28-12-2003

يقول المفكر الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد فى كتابه (صور المثقف) " أريد أن أشدد على أن المثقف فرد له دوره العمومى المحدد فى المجتمع الذى لا يمكن اختزاله ببساطة إلى وظيفة لا وجه لها ، إلى مجرد فرد مختص منشغل تماما بعمله . إن الحقيقة المركزية بالنسبة لى ، كما أظن ، هى أن المثقف فرد منح قدرة على تمثيل رسالة ، أو و جهة نظر أو موقف أو فلسفة أو رأى ، و تجسيدها و النطق بها أمام جمهور معين و من أجله "

أحيانا أتساءل هل منحت هذه القدرة على تمثيل رسالة أو موقف او رأى؟ هل منحت هذه القدرة على تجسيد ذلك و النطق به أمام الناس؟ أم أننى أخشى مواجهة الناس؟ اشعر فى بعض الأحيان أن لدى هذه القدرة على المواجهة ، و أحيانا أخرى أشعر أننى لا أملكها .. كل ما أعرفه أن لدى رغبة ملحة لمشاركة الناس و اطلاعهم على ما اكتشف و أعرف .. و كل ما أعرفه أننى عاشقة للإنسان و استعير هنا كلمات الكاتب خالد محمد خالد من كتابه (معا على الطريق) لأن بها أبلغ وصف لما أحس به تجاه هذا الكائن المعجزة الإنسان .. فيه تكمن المعجزة و القدرة لكنه قليلا ما يدركها " الإنسان هذا الاسم ذو الرنين الصادق ، الفاتن المثير .. هذا الكائن الذى أؤتمن على كل أمانات الحياة و و اجباتها ، هذا المسافر الذى لا يضع عصاه عن كاهله لحظة ، و الذى يولى وجهه دوما شطر كمال بعيد .."

الإنسان معجزة من معجزات الرحمن ، فى أنفسنا يكمن سر الكون و الحياة ، نتواصل مع إله الكون من خلال ما منحه لنا من عقل يتدبر و يتأمل ، ما منحه لنا من قلب ينبض و يشعر ، و ما منحه لنا من عين تحتضن جمال الكون و اتساعه .. الكون الذى خلق من أجلنا .. من أجل أن نتعلم و نتحاب و نتعاون .. من أجل أن نتواصل مع بارئنا حتى نعود إليه مجددا .. لنحيا. لذا أجدنى دائما منجذبة إلى فكرة الخلاص الجماعى أود أن يرى الناس و يدركون رحابة الحياة و جمالها ، خصوبة الافكار و ثرائها، أريد للناس عينا ترى و تدرك ، قلبا حيا ينبض ، عقلا يتفكر و يتدبر ، و أعود لأستعير بضع كلمات من كتاب (معا على الطريق) الذى يفيض إنسانية و إيمانا حيث يرى كاتبه أن أول مظاهر الوجود الحق للإنسان هو الفكر " و كل دفاع عن حرية الضمير ، و حقوقه .. هو دفاع عن حرية الفكر و حقوقه .. إن التفكير عملية ذهنية نزاولها جميعا بإسلوب تلقائى حتمى لا نتكلفه، و لسنا على دفعه بقادرين. كل فرد يفكر فى شئونه ، و شواغله ،و رؤى نفسه ، و كل فرد  يعبر عن ذات نفسه بالطريقة التى التى يستطيعها. و يتعرقل تفكيرنا و ينافق تعبيرنا ، حين تصيبنا بعض الضغوط الكابحة ، هذه الضغوط ترتكب جريمة إرهاب الضمير" و هو يرى أن إرهاب الضمير أشد قساوة و ضررا من إرهاب الجسد ، لأن إرهاب الجسد قد يكبت التصرفات و السلوك و القول أما إرهاب الضمير" فيسلط على بؤرة الحياة فيفسدها إفسادا لا يكاد يصلحها بعد ذلك شىء ، لانه توجه إلى العقل و التفكير ، إلى الجهاز العظيم الذى يصنع لنا فى الحياة كل جليل من الأمور .. و يأتى انحراف الضمير من تضليله ، و حبس المعرفة عنه ، و عن طريق إرهاب الضمير بالتخويف الدينى و السياسى و الاجتماعى."


أرى أن هناك أناسا كثيرين مضللين فى وطنى .. أود حقا أن أتمكن من المساهمة بشكل أو بأخر فى إزالة أسباب التضليل .. أن أتواصل مع الناس بشكل أكثر إيجابية ، أكره النقاب ، اكره الجهل  ، أكره الظلم ، أكره التطرف ، أكره كل ما يشوه الإنسان و يمنعه من التواصل مع بارئه و الشعور الحق به و إدراك عظمته و رحمته و جماله و جلاله. قد يكون ما اشعر به و أرغب فى تحقيقه حلما يوتوبيا .. لكننى سأسعى إلى تحقيقه قدر المستطاع فيما أقدمه من اعمال ، و فى حياتى اليومية ، عل آرائى و أفكارى تجد صدى لها وقت ما .. فى زمن ما ..


و أتذكر فى هذا المقام ما جاء بالسيرة الذاتية (وقفة قبل المنحدر .. من أوراق مثقف مصرى) للأديب علاء الديب عن المثقف ، هو يرى أن لا أحد يشعر بمعنى التخلف قدر ذلك الكائن الذى يطلق عليه المثقف ، هو عبارة عن "تركيبة غريبة تطمح دائما إلى أن تعيش فى المعانى المطلقة و المجردة للأشياء ، أقدامه مغروسة فى طين الواقع ، و عيونه الفاحصة المدربة قادرة على اكتشاف أصغر ما فى واقعه من متناقضات مزعجة . إحساسه المركب قادر على تكبير الأخطاء ، و رؤية ما خلفها من معانى و دلالات. و الأدهى و الأمر ان أغلب أحلام المثقف مرتبطة بفهم الواقع بل و العمل على تغييره ، وضعه المعلق دائما بين الحلم و الواقع يجعل منه وترا مشدودا ، و ضعه هذا يجعله يعيش اللحظة مرتين يذوق المر مرتين و يندر أن يبقى فى فمه طعم لحلاوة"


إننى أشعر فى احيان ليست بالقليلة أن لدى إحساسا مضاعفا بكل ما يدور حولى و كأن لدى مجسم للمشاعر و إنه لأمر مرهق و مؤلم ، إننى أعيش اللحظة مرتين أيضا و أشعر و أتفهم ما كتبه علاء الديب فى نفس العمل عن التخلف الذى أعايشه كل يوم فى الشارع ، فى العمل ، فى عقول الناس ، فكانه يكتب ما افكر فيه" ليس التخلف فقرا فقط إنه كائن أخطبوطى . ولد فى الظلام من الفقر و الجهل ، و عاش فى الغفلة و البلادة ، تربى فى العجز و ضيق الأفق . التخلف بالنسبة لى جسد حى أصارعه فى كل لحظة من لحظات وجودى ، فى بيتى ، فى الشارع ، و فى الوجوه و المشاعر ، فى مداخل المدن و تحت الكبارى ، فى العلاقات بين الناس ، فى الحب ، فيما أقرا و أتناول .. "


من الغريب أن شعوره بالتخلف من حوله يدفعه لسبب لا يعلمه كما يقول إلى مزيد من الارتباط و النتماء ، إلى مزيد من الحلم بأن يعيش و الناس واقعا جديدا. فيما مضى كنت أشعر بذلك الانتماء ، و على ما يبدو لى أنه لايزال موجودا بدرجة ما ، لكننى الآن فى هذه الفترة من حياتى أرغب فى الابتعاد عن وطنى لفترة حتى يتسنى لى إنقاذ نفسى مما يحيط بى من أمور تؤلمنى و تؤلمك بشدة (الخطاب هنا موجهه لرفيق دربى محمد الذى دوما أجدنى أخاطبه فى لحظة ما فى أوراقى) ، حتى أحافظ على ذاتى ، حتى أرى عوالم جديدة علها تساعدنى فى لملمة حيرتى، لكنى يجب أن أعترف بخوفى من الغربة، أريد أن ابتعد كى اتمكن من الاقتراب مرة أخرى ، لكننى اخشى الابتعاد و انهكنى القرب .. معادلة صعبة على حلها عندما يحين الوقت.