Showing posts with label مساحة حرة. Show all posts
Showing posts with label مساحة حرة. Show all posts

Saturday, January 3, 2015

خواطر آلام الإفاقة


ليست المرة الأولى التي أخضع  فيها لتخدير كلي لإجراء جراحة ما.. لكن ربما هي المرة الأولى التي انتبه فيها لآلام الإفاقة واهتم بتسجيل مشاعري وأفكاري تجاهها. هي المرة الأولى أيضا التي أشعر فيها بارتباك وخوف لأنني سأخضع لجراحة.. فبالرغم من طمأنة الطبيب والأهل والأصدقاء، ومن قبل ذلك  الرجاء والأمل في رحمة الله، كان للمجهول رهبة ربما للأمومة دور في ذلك. فكرة دخولي في سبات عميق، قد أفيق منه أو لا أفيق، بحيث لا يمكن لابنتي أن تصل إليّ إذا ما احتاجت أن أكون إلى جوارها اربكتني لأبعد حد، ربما أيضا لأنني لم أحسم بعد بعضا من صراعاتي مع ذاتي والحياة والوجود لأصل لذلك التصالح الذي تشدو إليه نفسي.
أحاطني طاقم التمريض وطبيبة التخدير وقد ارتسمت على وجوههن ابتسامة- بدت مطمئنة- ليشرحن لي كافة الإجراءات الطبية التي على وشك الحدوث وطلبن توقيعي على استمارة موافقة لإدخالي في نوم عميق. امنحهن توقيعا مني وموافقة خالصة على إيقاف زمني وإخراجي المؤقت من هذا العالم . يبدأ المخدر بالسريان في شرايني ليأخذني على مهل بعيدا عن أصوات ثرثرة الفريق الطبي إلى عالم اللاوعي..
***
صوت يناديني.. يبدو بعيدا لكني اسمعه بوضوح، هذا اسمي، صوت آخر يتداخل معه لرجل يتألم، مهلا أنا أيضا أتألم. كتفاي يؤلماني بشدة. صوت رجل يتألم. اسمي يتردد مرة أخرى. أرى خيالا يتحرك أمامي. أخبره بأن كتفاي يؤلماني بشدة. إنها امرأة اتبينها الآن..
-  السيدة لبنى لن أتمكن من اعطائك أي مسكن للآلام حتى تفيقي..
- لدي ابنة اسمها نور.
- جميل.. افيقي من أجلها إذن.
- كتفاي يؤلماني بشدة.
- هل لك أن تخبريني بتاريخ ميلادك؟
- استدعيه ببطء
تاريخ الميلاد أول ما أُسئل عنه ليتأكد القائمون على افاقتي من دخولي في مرحلة الوعي والقدرة على استدعاء البيانات، فكل منا في النهاية شئنا أم أبينا مجموعة من البيانات المسجلة في شبكة معقدة. يا له من شيء محبط أن يختصر وجودي في مجموعة بيانات.
 "الوعي بالميلاد. لماذا نولد؟ لماذا نربى في ذلك البلد أو ذاك؟ في هذه الأسرة أو تلك؟ وغيرها من أسئلة الوجود الحائرة التي ندور حولها لحظة أن نعي ونصطدم بإدراك وجودنا. يجتهد بعض منا في الإجابة عليها، بينما يستسلم بعض أخر إلي جبرية وجوده. لماذا تحضرني تلك الأفكار؟ إني استرد الوعي إذن.."
- سيدة لبنى.. هل تسمعيني؟ هل بإمكانك أن تخبريني بعنوانك؟
- اعطيني مسكنا للآلام أولا أرجوك.
- هل بإمكانك أن تخبريني بعنوانك؟
- يالها من امرأة عنيدة. اخبرها بعنواني.
- سأعطيك مسكنا للآلام الآن.
 أدرك أن الرجل في السرير المجاور لي في غرفة الإفاقة مازال متألما.. أهو كتفه أم وعيه الذي يؤلمه؟
- هلا أعطيته مسكنا هو الأخر من فضلك؟
***
لا تستدعي جراحة استئصال المرارة- في العادة- الإقامة في المستشفى. كتب لي الطبيب إذن الخروج بعد عدة ساعات من إجراء الجراحة، وبعد التأكد من عدم احتياجي لأي عناية طبية خاصة. في طريق العودة كان رأسي مازال ثقيلا من تأثير المخدر.هدأت آلام الكتف قليلا وإن لم تختف، ولكن قلبي كان ممتنا وكأنه منح فرصة جديدة ليعود نابضا بطاقة الحياة. آلام الإفاقة استدعت بداخلي التفكير في آلام الأخرين ممن يختبرون أمراضا أشرس وجراحات أخطر. بدت آلامي ضئيلة في مقابل تلك الآلام. فبعثت لهم بدعاء عسى أن يخفف الله آلامهم أينما يكونوا. استدعت الوعي بالمكروبين من جراء حروب عبثية  تطالعنا قصصهم كل يوم على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة والإنترنت حتى اعتدنا رؤية أجسادهم وأرواحهم المنتهكة فكادت الروح أن تتبلد. اتمتم "اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به و اعف عن كل مكروب يا الله "استدعت آلام الإفاقة الوعي بالعمر الذي مضى راكضا فبدت احباطاته وأمنياته المهدرة وصراعاته ضئيلة أمام امتنان القلب لنبض الحياة فيه. بدا لي أن الركض مرهق وعابث وراء سراب. ولكن كان الشعور بالامتنان لنبض الحياة بالرغم من عبثيتها البادية هو الحاضر بقوة.
***
أحاول أن استعيد ذلك الشعور بطاقة الحياة ونبضها. سُلب مني لبعض الوقت بفعل روتين الحياة اليومي وتأصل الشعور بالخوف والقلق والركض المحموم في الذات. بفعل سيل الأخبار المشؤوم الذي لا يتوقف عبر الفضاء الإلكتروني. أحاول أن أستعيد نبض الحياة. منحني الله فرصة أخرى كي أكون إلى جوار فتاتي. فرصة أخرى للحياة. هكذا فعلا أشعر.. نشأت في أسرة من الطبقة المتوسطة بتوقعاتها المحددة والمرسومة سلفا. لم اختبر الجوع أو النوم في العراء. لم اختبر بشاعة الحرب أو العيش في بؤرة صراع عرقي أو طائفي محتدم. كان من الممكن أن يكون لي قدر مختلف. حمدٌ وحيرة وسؤال يؤرقني. ما الذي بإمكاني أن أفعله بقدري؟  لا أريد الاستمرار في الدوران في دوامة زائفة. لا أريد لأية مشاعر سلبية أن تسرق جهدي وعمري لا أريد تنافسا محموما ولا ركضا. لا أعرف ما الذي يمكن أن أمنحه على وجه التحديد الآن غير كتاباتي. أريد أن أكتب أكثر عما أدهشني أو لمس روحي أو أورد خاطرا أو فكرة. أريد أن أكتب كل يوم ولو بضع فقرات.أكتب في مدونتي لقارئ عابر أو صديق يمنحني بعضا من وقته. أريد الاستمرار في الكتابة للأطفال فهي تبهجني. أعود طفلة تملؤها الدهشة وأنا أكتب لهم. فالكتابة لهم تبدو الفعل الأكثر منطقية وسط عالم الكبار الأصم. أريد أن أمرح أكثر مع نور لا أريد أن يسرق عمرها وما تبقى من عمري في جدول صارم من المواعيد. أريد الارتحال في مغامرة. ربما أذهب إلى نيبال. الارتحال ينير طريقا .يقربك من روح الكون، من الخالق. أريد نبض الحياة.



Saturday, August 30, 2014

كتب نقرأها معا

لأن كتب الأطفال تبهجني ولأن الوقت الذي أقضيه مع نور في قراءة كتاب هو الوقت الأجمل في يومي اكتب مدونة جديدة عن الكتب التي نقرأها أنا ونورمعا:) هي أيضا فرصة لعرض كتب من سوق الكتب الأمريكية للأطفال واليافعين الذي أبهرني بتنوعه وتميز وعبقرية أفكاره وجمال وابداع رسومه. للمدونة نسخة باللغة الإنجليزية قريبا...  


https://twitter.com/chflibrary






Saturday, August 9, 2014

بهجة وحنين

بالأمس رأيت ولمست لأول مرة كتبي الثلاثة للأطفال التي صدرت عن دار البستاني العريقة بالقاهرة منذ شهر ونصف تقريبا ضمن سلسلة قصصية تحمل اسم (نور تسأل) حيث احضرت لي الكتب مشكورة صديقة تزور الولايات المتحدة حاليا. صدرت الكتب وأنا بعيدة عن أرض الوطن الأم مصر، فلم يتسنى لي سوى مشاهدة صور الأغلفة وبعض الصفحات الداخلية التي أرسلت إليّ من قبل دار النشر. شكرا بالطبع للتكنولوجيا الحديثة التي أتاحت لي مشاهدة الصورعلى الأقل، ولكن رؤية الكتب رؤى العين لها فرحة أخرى. مرت مشاهد من الذاكرة جلية وواضحة أمامي وأنا اقلب صفحات قصصي. رأيت والدي فور وصوله إلى البيت من العمل وقبل أن يجلس ليرتاح من عناء يومه وحرارة الصيف يفتح حقيبته ليعطيني مجلة ماجد التي اعتاد أن يحضرها لي الأربعاء من كل أسبوع وكنت انتظر بلهفة تلك اللحظة لآخذ مجلتي وانطلق نحو غرفتي أجول بين قصص شمسة ودانة وحكايات جحا وكسلان جدا وزكية الذكية وأبواب نظر وصداقة بلا حدود وغيرها.

 أحببت الرسوم والقصص وأصبح بإمكاني التعرف على خطوط الرسامين دون حاجة لقراءة أسمائهم. وأظن أن قصتي مع الكتابة بدأت منذ ذلك الحين. فقد كانت تبهرني الحكايات وتبهجني الرسومات. وتمنيت لو أن بإمكاني أن أكتب وأرسم قصصا مثل كل هؤلاء الكتاب والرسامين. لم يكن لي حظ في الرسم بالرغم من بعض المحاولات التي لم تكن بالسيئة، إلا أن الكتابة ظلت عشقي الأكبر وإن ظللت اغبط الرسامين غبطة إعجاب وتقدير. كما تمنيت أن التقي ببعض من هؤلاء الكتاب والرسامين الذين منحوني البهجة وساهموا في تشكيل وجداني وفتحوا لي أفاقا رحبة من المعرفة خاصة بهجت عثمان ومحيي الدين اللباد رحمهما الله. وبالفعل سعيت أثناء فترة عملي مقدمة برامج بالإذاعة المصرية أن التقي بهما وقد حالفني الحظ ونجحت في ذلك. وكان للقائهما رحمهما الله أثر طيب في روحي لا يمحى. وظل شغفهما بعملهما وعمق أفكارهما التي يكتبون عنها ويرسمونها في بساطة متناهية أمرا ساحرا بالنسبة لي. وهنا مرت مشاهد أخرى من الذاكرة.. ابتسامة العم بهجت عثمان التي أنارت وجهه وهو يتحدث بشغف طفولي بريء عن رسومه وحكاياته وأحلامه للأطفال، وإهداء وتوقيع باسمه على كتابه القريب من روحي (صداقة بلا حدود) إلى لبنى صديقة قديمة جديدة.. بهاجيجو..وهدوء صانع الكتب اللباد وصوته الخفيض الذي بالرغم من هدوءه كان يحمل شلالا هادرا من الأفكار والرؤى.. يحكي لي عن كتابه (كشكول الرسام) ويريني لأول مرة نسخته الإنجليزية التي أعجبتي لوجود النصين العربي والإنجليزي معا ليتمكن الأطفال غير الناطقين بالعربية من معرفة شكل الكتابة العربية..ويعتذر بشدة أن ليس بحوزته نسخة أخرى ليمنحها لي ويهديني كتابا أخر صدر له حديثا لرسوم الكاريكاتير..وتمر الأيام واتمكن من شراء نسخ لكشكول الرسام في طبعته الإنجليزية من موقع أمازون وأهدي نسخة لمكتبة مدرسة ابنتي بأمريكا.

أكمل تصفح أوراق قصصي.. صحيح ليست تلك تجربتي الأولى في النشر..لكنها التجربة الأكثر قربا إلى قلبي.. تحمل بهجة أمومتي التي انتظرتها طويلا..فقد أعادتني نور لبهجة شراء وقراءة كتب الأطفال..اعادتني إلى بهجة الاكتشاف وبراءة المشاعر..والهمتني تحقيق حلمي..( نور تسأل) مستوحاة من حوارتي اليومية مع ابنتي نور التي علمتني أن اوقف الزمن الصاخب من حولي لأتأمل الكون والحياة مجددا..بأسئلتها وتعليقاتها وزمنها الطفولي المرح الحر الذي تدافع بقوة عنه بشكل يبهرني ضد زمننا المقيد واللاهث والمتطاحن والقاسي. ليحفظ الله نور وليحفظ كل الأطفال وليمنحنا القدرة كي نعطيهم أملا ومستقبلا وسط كل هذا الجنون.   

تبدأ السلسلة بقصة (لماذا أنا هنا؟) مشهد أخر يتحرك أمامي لنور وهي في الرابعة من عمرها مستيقظة لتوها من النوم بشعر مبعثر لتسألني بصوت ناعس "ليه أنا هنا؟" فيستوقفني ذلك السؤال الوجودي من ذات الأربع سنوات..ومنه بدأت فكرة (نور تسأل).. التي منحتني كل هذه البهجة وكل هذا الحنين.. بهجة الأمومة وبهجة الكتابة وبهجة الصداقة التي جمعتني والناشرة جميلة الروح فدوى البستاني التي تحمست لعملي وما أن التقينا حتى سرقنا الوقت ونحن نحكي عن الكتب والحياة ومصر والأمل وكأن قد جمعتنا صداقة عمر بأكلمه، وليمنحني شغفها وعشقها للكتب ولعملها أملا وفرحة.. بهجة ألوان ورسوم الرسامة المبدعة رانيا أبو المعاطي التي عبرت عن كلماتي بلوحات مليئة بالروح والرقة. وحنين إلى طفولتي ومجلتي.. حنين إلى جلسة حوار مع  بهجت عثمان واللباد رحمهما الله لأهدي إليهما نسخا من قصصي فضلة خيرهم.. وحنين لأبي أطال الله لي في عمره الذي ابعدتني الغربة عنه. فيالها من بهجة وياله من حنين.

Wednesday, January 1, 2014

يا مُفَتح الأبواب


عام جديد وتقويم للجدار جديد اخترته كما اعتدت كل عام بعناية خاصة. هذا العام يحمل التقويم صورا للأبواب. تنشأ في العادة بيني ويبن الأشياء علاقات خاصة..تحتفظ لي بذكرى أو تمنحني أملا أو تدخل إلى قلبي بهجة.. من بين تلك الأشياء التي تأسرني الأبواب.. أحب الأبواب الخشبية القديمة ذات المقبض الواحد على شكل حلقة متدلية، والأبواب المبهجة الألوان كتلك التي تجدها في توسكانا بإيطاليا أو باليونان، والأبواب الخشبية للمساجد العريقة ذات الزخارف الإسلامية المحفورة بعناية فائقة. وللأبواب في الوجدان الإنساني رمز خاص.. فالباب هو مدخل للأمل والرزق.. والباب المفتوح هو رمز للحرية والإمكان.. والباب المغلق هو جُل ما يخشاه الإنسان ويهابه..وفي الأعمال الروائية التي تتخذ من الأبواب رمزا..تجد أن الشخصيات التي تهاب الخروج من الأبواب أو الردهات المؤدية إليها هي شخصيات تهاب العالم وما تحمله الأبواب خلفها..أما الشخصيات التي ترغب في المعرفة وترك بصمتها الخاصة فالبرغم من الرؤية المحدودة التي تمنحها لها الأبواب إلا أنها لا تهاب أن تدلف منها.


وأنا استقبل العام الجديد اتذكر أبواب الأمنيات والرغبات التي طرقتها على مدار سنوات العمر.. ربما لم ينفتح أيا منها باتساع أمامي، هذا بخلاف ما استعصى على الفتح، إلا أن كلا منها قد حمل لي معنى أو معرفة أوخبرة أو عبرة ما.. ومازلت بالرغم من كل شئ أطرق الأبواب بذات الشغف والأمل الأول..
 
ادعوا الله أن يفتح هذا العام أبواب الأمل أمام كل ضائق، وأبواب الرزق أمام كل محتاج، وأبواب الشفاء أمام كل مريض، وأبواب الرضا أمام كل سقيم، وأبواب الإيمان أمام كل ضليل.. يا مُفَتح الأبواب يا الله..