Thursday, October 23, 2014

أودري


http://writeactdancesing.com/
لا ترى سواه في القاعة المكتظة بالصحفيين .. لا ترى سواه ولا يرى سواها.. وسط الحضور المهيب والأسئلة المتلاحقة تتحاور عيناهُما بلغة أبلغ من أي لغة.. تقول عيناها: أنتَ إنه أنتَ.. تقول عيناه: أنا هنا حبيبتي وأعرف.. تقول عيناها: اثق بك.. تجيبها عيناه:  بإمكانكِ أن.. تخبره عيناها بأنه قد أسر قلبها وروحها إلى المنتهى.. يا ليت كان باستطاعتي أن.. تخبرها عيناه بأنها حبيبته إلى المنتهى.. ويا ليت كان باستطاعتنا أن.. تحتضنه عيناها بنظرة وداع أخيرة.. كم سأشتاق إليكَ .. تضمها عيناه.. كم سأشتاق إليكِ..

يظل هذا المشهد السينمائي الأخير من فيلم أجازة في روما Roman Holiday  لأودري هيبورن وجريجوري بيك انتاج عام 1953 الأكثر قربا إلى نفسي من بين ما شاهدت وعلق في ذاكرتي من مشاهد الأفلام.. مشهد كامل يعتمد على حوار صامت بين عينيهما تتخلله كلمات قليلة، وقد برع النجمان في أدائه لأقصى حد. كلما ثقلت نفسي أعود لمشاهدة هذا الفيلم بالرغم من تلك النهاية الحزينة لقصة حب مستحيل بين أميرة وريثة لعرش أوروبي وصحفي أمريكي بسيط ضائق اليد. تدور القصة حول الأميرة (آن) التي تتمرد ليوم واحد على حياة القصر التي تحد من خيالها وحريتها لتخرج دون علم من مَن في القصر في مغامرة بالعاصمة الإيطالية روما، والتي تزورها ضمن جولة أوروبية، ليتقاطع طريقها وطريق صحفي أمريكي (جو برادلي) ويقضيان يوما في زيارة بعض معالم المدينة العتيقة دون أن تلحظ أنه قد كشف شخصيتها ويسعى إلى اقتناص سبق صحفي عن قصة هربها، لينتهي اليوم وقد لمس كل منهما روح الآخر فيتخلى (برادلي) عن مسعاه بالرغم من إدراكه أن قصتهما لا يمكن لها أن تكتمل.. 
ويتقابلان في مشهد أخير في مؤتمر صحفي للأميرة التي تكتشف وجوده بين الصحفيين وتدرك هويته الحقيقية وأنه قد أتى ليودعها ويطمئنها في ذات الوقت أن قصة ذلك اليوم في روما ستظل محفوظة في ذاكرته وقلبه فقط. شيء ما في تلك القصة ينعش روحي.. ربما فكرة ذلك اليوم الذي اقتنصته الأميرة من زمنها المقيد تشعرني بالحرية.. ابتهج لرؤيتها تضحك وهي تجوب المدينة تتواصل مع أناس بسطاء لا يدركون هويتها الحقيقية.. تقص شعرها الطويل فتظهر قصة الشعر الجديدة وجهها الطفولي المشرق.. يمنحها بائع زهور وردة بالرغم من إدراكه بأنها لا تحمل نقودا تكفي لشراء أي زهرة من عربته.. تمرح وتلعب وترقص.. وتشعر لأول مرة بمشاعر الحب.. ربما عنفوان المشاعر وبراءتها المنسابة عبر مشاهد الفيلم يبعث دفئا في قلبي.. ربما عفوية أودري هيبورن في دور الأميرة تمنحني بهجة ما. وارتبطت على إثر ذلك بروما، التي أحلم بزيارتها في يوم ما، وبأودري هيبورن.

عندما أهداني زوجي تقويما للعام الجديد يحمل صورا لأودري هيبورن -لمعرفته بمحبتي لها- وجدتني ابتسم وأنا أقلب صفحات التقويم.. ينبع من ابتسامتها سحر آخاذ يبعث سكينة إلى الروح.. وتساءلت في نفسي كيف لابتسامتها هذا التأثير بالرغم من أن حياتها قد ضمت الكثير من الأحزان..فقد عانت أودري هيبورن في طفولتها من ويلات الحرب العالمية الثانية واحتلال ألمانيا لموطنها هولندا حيث عانت من الفقر وسوء التغذية في تلك الفترة. كما تشتت أسرتها بانفصال والديها وانقطاع الاتصال بوالدها البريطاني الجنسية الذي قامت بالبحث عنه في مرحلة لاحقة من حياتها حتى تمكنت من الوصول إليه وظلت ترعاه ماديا حتى وفاته. اخفقت في حياتها الزوجية مرتين وفقدت أجنة ولكنها ظلت تبتسم في وجه الحياة.. لا تحمل ابتسامتها أي افتعال أو غرور أو ضحالة، ولكنها ابتسامة ترى فيها انعكاسا لروح متحدية اختبرت الحياة فقررت أن تواجه مرواغتها بابتسامة. تلك الابتسامة  تمنحني دوما دفئا وأملا. فكم أنا ممتنة لأودري هيبورن وابتسامتها.




*اعتزلت أودري هيبورن العمل السينمائي في أواخر الستينيات من القرن الماضي لتتفرغ لحياتها الأسرية وتنشئة ولديها، وإن كانت قد شاركت في أعمال قليلة خلال السبعينات والثمانينات. كرست سنوات حياتها الأخيرة للعمل سفيرة لمنظمة اليونسكو حيث شاركت في العديد من الرحلات الميدانية للمناطق الفقيرة والمنكوبة بمختلف دول العالم، أشهرها رحلتها إلى اثيوبيا عام 1988 التي جذبت الأنظار إلى ما كانت تقاسيه أثيوبيا أنذاك من مجاعة وحرب أهلية طاحنة. أنشأ ابناء أودري هيبورن صندوقا باسمها لتمويل مشروعات من شأنها مساعدة الأطفال في الأماكن المنكوبة من العالم.

Saturday, August 30, 2014

كتب نقرأها معا

لأن كتب الأطفال تبهجني ولأن الوقت الذي أقضيه مع نور في قراءة كتاب هو الوقت الأجمل في يومي اكتب مدونة جديدة عن الكتب التي نقرأها أنا ونورمعا:) هي أيضا فرصة لعرض كتب من سوق الكتب الأمريكية للأطفال واليافعين الذي أبهرني بتنوعه وتميز وعبقرية أفكاره وجمال وابداع رسومه. للمدونة نسخة باللغة الإنجليزية قريبا...  


https://twitter.com/chflibrary






Saturday, August 9, 2014

بهجة وحنين

بالأمس رأيت ولمست لأول مرة كتبي الثلاثة للأطفال التي صدرت عن دار البستاني العريقة بالقاهرة منذ شهر ونصف تقريبا ضمن سلسلة قصصية تحمل اسم (نور تسأل) حيث احضرت لي الكتب مشكورة صديقة تزور الولايات المتحدة حاليا. صدرت الكتب وأنا بعيدة عن أرض الوطن الأم مصر، فلم يتسنى لي سوى مشاهدة صور الأغلفة وبعض الصفحات الداخلية التي أرسلت إليّ من قبل دار النشر. شكرا بالطبع للتكنولوجيا الحديثة التي أتاحت لي مشاهدة الصورعلى الأقل، ولكن رؤية الكتب رؤى العين لها فرحة أخرى. مرت مشاهد من الذاكرة جلية وواضحة أمامي وأنا اقلب صفحات قصصي. رأيت والدي فور وصوله إلى البيت من العمل وقبل أن يجلس ليرتاح من عناء يومه وحرارة الصيف يفتح حقيبته ليعطيني مجلة ماجد التي اعتاد أن يحضرها لي الأربعاء من كل أسبوع وكنت انتظر بلهفة تلك اللحظة لآخذ مجلتي وانطلق نحو غرفتي أجول بين قصص شمسة ودانة وحكايات جحا وكسلان جدا وزكية الذكية وأبواب نظر وصداقة بلا حدود وغيرها.

 أحببت الرسوم والقصص وأصبح بإمكاني التعرف على خطوط الرسامين دون حاجة لقراءة أسمائهم. وأظن أن قصتي مع الكتابة بدأت منذ ذلك الحين. فقد كانت تبهرني الحكايات وتبهجني الرسومات. وتمنيت لو أن بإمكاني أن أكتب وأرسم قصصا مثل كل هؤلاء الكتاب والرسامين. لم يكن لي حظ في الرسم بالرغم من بعض المحاولات التي لم تكن بالسيئة، إلا أن الكتابة ظلت عشقي الأكبر وإن ظللت اغبط الرسامين غبطة إعجاب وتقدير. كما تمنيت أن التقي ببعض من هؤلاء الكتاب والرسامين الذين منحوني البهجة وساهموا في تشكيل وجداني وفتحوا لي أفاقا رحبة من المعرفة خاصة بهجت عثمان ومحيي الدين اللباد رحمهما الله. وبالفعل سعيت أثناء فترة عملي مقدمة برامج بالإذاعة المصرية أن التقي بهما وقد حالفني الحظ ونجحت في ذلك. وكان للقائهما رحمهما الله أثر طيب في روحي لا يمحى. وظل شغفهما بعملهما وعمق أفكارهما التي يكتبون عنها ويرسمونها في بساطة متناهية أمرا ساحرا بالنسبة لي. وهنا مرت مشاهد أخرى من الذاكرة.. ابتسامة العم بهجت عثمان التي أنارت وجهه وهو يتحدث بشغف طفولي بريء عن رسومه وحكاياته وأحلامه للأطفال، وإهداء وتوقيع باسمه على كتابه القريب من روحي (صداقة بلا حدود) إلى لبنى صديقة قديمة جديدة.. بهاجيجو..وهدوء صانع الكتب اللباد وصوته الخفيض الذي بالرغم من هدوءه كان يحمل شلالا هادرا من الأفكار والرؤى.. يحكي لي عن كتابه (كشكول الرسام) ويريني لأول مرة نسخته الإنجليزية التي أعجبتي لوجود النصين العربي والإنجليزي معا ليتمكن الأطفال غير الناطقين بالعربية من معرفة شكل الكتابة العربية..ويعتذر بشدة أن ليس بحوزته نسخة أخرى ليمنحها لي ويهديني كتابا أخر صدر له حديثا لرسوم الكاريكاتير..وتمر الأيام واتمكن من شراء نسخ لكشكول الرسام في طبعته الإنجليزية من موقع أمازون وأهدي نسخة لمكتبة مدرسة ابنتي بأمريكا.

أكمل تصفح أوراق قصصي.. صحيح ليست تلك تجربتي الأولى في النشر..لكنها التجربة الأكثر قربا إلى قلبي.. تحمل بهجة أمومتي التي انتظرتها طويلا..فقد أعادتني نور لبهجة شراء وقراءة كتب الأطفال..اعادتني إلى بهجة الاكتشاف وبراءة المشاعر..والهمتني تحقيق حلمي..( نور تسأل) مستوحاة من حوارتي اليومية مع ابنتي نور التي علمتني أن اوقف الزمن الصاخب من حولي لأتأمل الكون والحياة مجددا..بأسئلتها وتعليقاتها وزمنها الطفولي المرح الحر الذي تدافع بقوة عنه بشكل يبهرني ضد زمننا المقيد واللاهث والمتطاحن والقاسي. ليحفظ الله نور وليحفظ كل الأطفال وليمنحنا القدرة كي نعطيهم أملا ومستقبلا وسط كل هذا الجنون.   

تبدأ السلسلة بقصة (لماذا أنا هنا؟) مشهد أخر يتحرك أمامي لنور وهي في الرابعة من عمرها مستيقظة لتوها من النوم بشعر مبعثر لتسألني بصوت ناعس "ليه أنا هنا؟" فيستوقفني ذلك السؤال الوجودي من ذات الأربع سنوات..ومنه بدأت فكرة (نور تسأل).. التي منحتني كل هذه البهجة وكل هذا الحنين.. بهجة الأمومة وبهجة الكتابة وبهجة الصداقة التي جمعتني والناشرة جميلة الروح فدوى البستاني التي تحمست لعملي وما أن التقينا حتى سرقنا الوقت ونحن نحكي عن الكتب والحياة ومصر والأمل وكأن قد جمعتنا صداقة عمر بأكلمه، وليمنحني شغفها وعشقها للكتب ولعملها أملا وفرحة.. بهجة ألوان ورسوم الرسامة المبدعة رانيا أبو المعاطي التي عبرت عن كلماتي بلوحات مليئة بالروح والرقة. وحنين إلى طفولتي ومجلتي.. حنين إلى جلسة حوار مع  بهجت عثمان واللباد رحمهما الله لأهدي إليهما نسخا من قصصي فضلة خيرهم.. وحنين لأبي أطال الله لي في عمره الذي ابعدتني الغربة عنه. فيالها من بهجة وياله من حنين.