http://marciebrockbookmarketingmaven.wordpress.com |
عندما رضخت لجاذبية
التكنولوجيا الحديثة وابتعت جهاز "نوك"Nook قارئ الكتب
الإلكترونية وجدتني مرتبكة حيال استخدامه. اعترف بأن سعته التخزينية العالية وخفة
وزنة ميزة لا قبل للكتاب الورقي منافسته فيها خاصة عند السفر، كما أن القاموس
الإلكتروني المحمل بداخله يسهل كثيرا قراءة الكتب المكتوبة باللغة الإنجليزية فلا
تحتاج أكثر من نقرة أصبع على الكلمة المبهمة لتجد معانيها المختلفة أمامك على
الشاشة. وبنقرة أصبع أيضا تتصفح أحدث إصدارات الكتب، وبنقرة أخرى تشتري الكتاب الذي
آثار اهتمامك لتجده في ثوان معدودة مُحَمَلاً في ذاكرة الجهاز. لكني ما أن قرأت
بضعة كتب إلكترونية حتى اشتقت إلى ملمس الكتب الورقية وتلك العلاقة الشخصية
الحميمة التي تنشأ بيني وبين ملمسها ورائحتها.
كتبتُ من قبل عن هوسي بفعل "كتب"
و"بالمكتوب" الساحر، المُغَير، المُقلِق، وأن من بين ما أحب، فيما يتعلق
بالكتب، قراءة خواطر قارئ احتضن السطور بعينيه قبلي، وخط خواطره بيده على هامش
كتاب. فلا أنسى تلك الارتجافة الرقيقة التي بعثها في قلبي قراءة ما دونه جد زوجي
على هامش كتاب تعود ملكيته للجد "رحمه الله" والذي لم تتسنى لي رؤيته
سوى في الصور العائلية، فكأن علاقة روحية نشأت بيني وبينه تخطت حواجز الزمان. وقد
اعتدت أنا أيضا أن أخط بين الحين والآخر خواطري على هامش كتبي. بالإمكان أن تدون
خواطرك في جهاز القاريء الإلكتروني أيضا، ولكني كلما حاولت تسجيل خاطر وجدتني
عاجزة عن الكتابة، وكأنني لا أستطيع الكتابة بتلك الحروف الآلية المنمقة داخل ذلك
المستطيل الهندسي غير الحميم. علما بأني تأقلمت بسرعة وبسهولة على الكتابة باستخدام
لوحة المفاتيح ولم أجد نفورا منها، وإن كنت افتقد في بعض الأحيان الكتابة بخط اليد.
وكما أوحشني
ملمس الكتب الورقية ورائحتها وحميمية تدوين خواطر بخط يدي على هوامشها، أوحشني الذهاب
إلى المكتبة العامة أو محال بيع الكتب. ابتهج لرؤية الكتب المرصوصة بعناية فوق
الأرفف وفقا لأرقام وأحرف تحدد أنواعها ومؤلفيها، كل كتاب مميز بغلافه وتصميمه وحجمه
ومحتواه بالطبع. بالنسبة لي يختلف النظر إلى الكتب الموضوعة على الأرفف الخشبية
كثيرا عن النظر إليها وهي على تلك الارفف الإلكترونية، تبدو لي الكتب على الأرفف
الواقعية، إن جاز التعبير، مهيبة وساحرة في تراصها وعددها، على عكس الكتب المسطحة
على تلك الأرفف الإفتراضية التي لا تثير بداخلي أية مشاعر، ويبقى بيني وبين تلك
الكتب الإلكترونية علاقة أشبه بعلاقات العمل الجافة. كما يروق لي التطلع إلى الأدوات المكتبية،
التجارة التكميلية لتجارة الكتب، فأسعد لرؤية الأقلام والكراسات والأكواب والبطاقات وحافظات الأوراق وغيرها.
كان شغفي
بالكتب وعالمها وراء قراري بالعودة إلى الدراسة مجددا في تخصص جديد، وإن كان لا
يختلف كلية عن تخصصي الرئيسي في وسائل الاتصال، وهو تخصص المعلومات وعلوم المكتبات،
وتحديدا مكتبات المدارس. كما كان شغفي ذاك وراء انضمامي لفريق المتطوعين بمكتبة مدرسة
ابنتي الإبتدائية هذا العام، حيث دار بيني وبين أخصائية الإعلام والمكتبات المدرسية
-المسمى الجديد لوظيفة أمين/أمينة المكتبة بالولايات المتحدة- حوار أزعجني كثيرا،
فقد أشارت إلى استشراف يرى أن المكتبات في
شكلها التقليدي ستختفي من الولايات المتحدة تماما في غضون عشرين عاما لتحل محلها
المكتبات الافتراضية. قلت لها: ولكنه أمر محزن؛ فأجابتني: أنا وانت حتما سنفتقد
الشكل التقليدي للكتب والمكتبات لأننا اعتدنا عليه؛ ولكن هناك أجيالا ستنشأ على وجود
الكتاب الالكتروني وسيكون نظام المكتبات الإفتراضية مألوفا لها وأكثر سهولة؛ حيث
يمكن لأكثر من فرد الاطلاع على نفس الكتاب في وقت واحد؛ تخيلى مدى سرعة انتقال
الكتب؛ والوقت والمجهود الذي يوفره ذلك الأمر. سرت قشعريرة في جسدي وتذكرت مشاهد
من أفلام الخيال العلمي على شاكلة The minority report حيث تتحدد هوية البشر
من بصمة العين عند دخولهم مراكز التسوق التي يحدثك فيها بائعون افتراضيون وحيث تسود
شاشات الكمبيوتر ذات النظم المجسمة Holograms الحياة من حولك، وتسير
السيارات في خطوط تحتل السماء فوقك، قطع تلك الصور الذهنية التي اجتاحت عقلي دبيب
الأقدام الصغيرة لتلميذات وتلاميذ فصل ابنتي من الصف الأول الابتدائي وهم يدخلون المكتبة في
حرص ورهبة والتماعة في عيونهم لا يمكن إلا أن تلحظها. تحلق الأطفال حول أمينة
المكتبة لتقرأ عليهم قصة، حيث تستهل حصة المكتبة في العادة بقراءة قصة يعقبها
مناقشة سريعة لموضوعها ونوعها الأدبي ثم يترك الأطفال يتجولون بحرية في أرجاء
المكتبة لاختيار كتب للاستعارة، ليبدأ دوري بعد ذلك في مساعدتهم على البحث عن
الكتب التي يريدون استعارتها، حيث يدور بيني وبينهم حوارات حول قصصهم المفضلة
والأشياء التي يحبون القراءة عنها. أفكر لحظتها في العزلة التي ستفرضها علينا تلك المكتبات
الافتراضية المزمع سيادتها في المستقبل القريب.. ستتحول المكتبة وكتبها المهيبة
المتراصة إلى غرفة صغيرة ربما تضم جهاز كمبيوتر واحد يقوم اخصائي المكتبة من خلاله
بالإشراف على موقع المكتبة الإلكتروني.. لا جلال روحي..لا حديث دافيء..لا التماعة
في العيون..لا رائحة.
رائعةكالعادة واجمل ما فى كتاباتك يا لبنى انى اشعر انك تكتبينى انا شخصيا ....انا ايضا تخطفنى رائحة الكتب الجديدة والقديمة واشعر ان الكتب فى بيوتنا مع الايام تاخذ رائحتنا نحن ... وكالعاده وحشانى وكنت اتمنى الا تكونى فى هذا التوقيت بعيدة فى بلادك البعيده
ReplyDeleteنشوى صالح
شكرا يا نشوى أنك وجدتِ وقت تقرأي ..أرواحنا تتلاقى دوما يا نشوى:) ..ووحشاني جدا انت أيضا.. أنا بعيدة جسديا فقط لكن روحي في مصر .. هم مصر نحمله أينما كنا.. ولا سبيل للشفاء منه..
ReplyDelete