Friday, November 1, 2013

في المسألة الهالووينية


أقرأ هذه الأيام مذكرات السيدة هدى شعرواي رائدة الحركة النسائية في مصر وهي من خرجت على رأس أول مظاهرة نسائية ضمت 300 سيدة مصرية للمطالبة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه في 16 مارس 1919. ولكن ما علاقة هدى شعراوي بالهالووين؟ للمفارقة كتبت السيدة هدى شعراوي في مذكراتها عن الأعياد المختلفة التي كان يحتفل بها المصريون والتي كانت تدخل السرور على قلبها وهي طفلة وتراها مظهرا من مظاهر الاحتفاظ بالقومية المصرية الرائعة على حد قولها. وتأسف السيدة هدى شعراوى في مذكراتها على تضاؤل واضمحلال تلك المظاهر والأعياد بانتشار "التقليد الإفرنجي في البلاد وميل الجيل الجديد إلى الاحتفال بالأعياد الإفرنجية بدلا من إحياء أعيادنا القومية وتمجيدها وتخليدها". صاحب قراءتي لتلك السطور ما طالعتني به تعليقات الأصدقاء المختلفة على الفيس بوك عن مظاهر الاحتفال بالهالووين أوعيد الهلع أوعيد القديسين ما بين مؤيد ومعارض للاحتفال بالهالووين في مصر. 

بداية وفقا للباحثين في التراث الشعبي ترجع أصول الهالووين إلى احتفالات الحصاد في الأمم السلتية في شمال وغرب أوروبا والتي لم تضمحل لغتها أو ثقافتها ومنها إيرلندا واسكتلندا وويلز. ويرى بعض الباحثين أن لتلك الاحتفالات جذورا وثنية من بينها الاعتقاد في خروج الأرواح الشريرة لتهيم في عالمنا في ليلة  تمثل منتصف فصل الخريف تقريبا والتي تنذر باقتراب حلول فصل الشتاء بجدبه وقسوته، وهو السر وراء الملابس والأقنعة المخيفة التي يرتديها الناس كمظهر من مظاهر الاحتفال التي لم يتم هجرها بالرغم مما أدخلته المسيحية من تعديل على الاحتفال ليسمى بعد ذلك بعيد القديسين. فقد كان الناس في ذلك الزمان يعتقدون أن ارتداء الأقنعة والملابس المخيفة عند اضطرارهم إلى الخروج في تلك الليلة التي تخرج فيها الأرواح  ستجعل الأرواح الشريرة لا تؤذيهم لأنها ستعتقد أنهم منهم، ولمنع الأرواح الشريرة من دخول المنازل كانوا يضعون أطباقا من الحلوى لاسترضاء تلك الأرواح. وقد نقل المهاجرون الأوائل إلى أمريكا والقادمون من تلك المناطق مظاهر الاحتفال به إليها.

ما أدركته خلال سنوات إقامتي بالولايات المتحدة أنه احتفال لا ديني، ويأتي في إطار الاحتفال بفصل الخريف وبدء موسم الحصاد والاحتفال بما تخرجه الأرض الطيبة حتى أنهم يُقرنون اسمه في أحيان كثيرة بالخريف فيكتب Falloween لذلك يبدو الاحتفال به ملائما للبيئة المحيطة، وبالمناسبة هو احتفال لا تُعطل فيه الدراسة أوالهيئات الحكومية، أما أن تحتفل بعض المدارس الخاصة في مصر بالهالووين فهو أمر أراه غريبا ومبتورا عن سياقه. يبدو الأمر بالنسبة لي كأن يحتفل الأطفال الأمريكيون في المدارس بعيد شم النسيم. أتفهم أن تحتفل المدارس التابعة لسفارة الولايات المتحدة أو لسفارة بريطانيا على سبيل المثال والتي تضم أبناء الجاليات الأمريكية والبريطانية في مصر بالهالووين لأن الاحتفال به يربطهم بالوطن وبيئته. أما أن تحتفل به بعض المدارس الخاصة التي يدرس بها أطفال مصريون فلا أجد له سببا مقنعا إلا أن تلك المدراس ربما  تحتفل به لتبدو أنها تقدم خدمة مميزة، وهو أمر لا يخلو من المفارقة لأن عيد القديسين يحتفل به الأطفال الأمريكيون بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، فهو احتفال يوحدهم ولا يفرق بينهم. وأتساءل لماذا تختار تلك المدارس الاحتفال بالهالووين و لا تختار مثلا تبني فكرة أسبوع الشريط الأحمر الأمريكيRed Ribbon week  الذي تبدأ فعالياته في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر بالمدارس سنويا؟ وهو حملة توعية قومية ضد العنف وتعاطي المخدرات. يبتكر الأمريكيون لتقريب هدف الحملة إلى أذهان الأطفال في المدارس الابتدائية وجعل أيام  أسبوع الحملة محببة إليهم. كأن يرتدي الجميع لونا موحدا في إشارة إلى الاتحاد ضد العنف والمخدرات أويصففون شعرهم بشكل غريب فيما يسمي بيوم الشعر المجنون والذي يحمل شعار استخدم عقلك ولا تكن مجنونا ابتعد عن المخدرات ولا تتحرش بالأخرين ويدور الحديث طوال الأسبوع في تلك المدراس حول الاختيارات السليمة في الحياة. لماذا لا نبتكر حملات قومية مماثلة في مدارسنا لنوحد بها أجيالا قادمة؟  لقد راعني ما قرأت منذ فترة عن حادثة عنف جسدي في واحدة من المدارس الخاصة الراقية إن جاز التعبير حيث قام تلاميذ في الصف الخامس الابتدائي بضرب زميل لهم مما تسبب في كسر ذراعه لاختلافهم حول السيسي ومرسي! ولا يخفى على أحد مدى انتشار تعاطي المخدرات في مصر وانتشار التحرش المعنوي واللفظي والجسدي بين التلاميذ في المدارس الحكومية على وجه الخصوص. 

وأعود لملحوظة السيدة هدى شعراوي عن أهمية المناسبات التي تحافظ على القومية المصرية وقد ذكرتْ من بين ما ذكرتْ يوم وفاء النيل. واتساءل لماذا لا نعود للاحتفال بيوم وفاء النيل بدلا من استجلاب أعياد غريبة على بيئتنا تفرقنا أكثر مما توحدنا؟ وفيه فرصة لتوعية الأجيال القادمة بأهمية النيل ورحلته العظيمة التي يقطع خلالها بلدانا أفريقية شقيقة وأن يكون يوما نشكر فيه الله على النيل الذي وهب الحياة لمصر وأن نشرح لهم مشكلة نقص المياة وكيف نعمل على حلها وغيرها من الأفكار التي يمكن ربطها بالاحتفال بالنيل. فربما يساهم ذلك في خلق أجيال تحسن استخدامه وتدرك أهميته أكثر من أجيالنا التي كادت أن تضيعه. لماذا نأخذ من الهالووين فكرة الملابس التنكرية ولا نأخذ فكرة الاحتفال بموسم الحصاد؟ فموسم جني القطن في مصر يبدأ في شهر أكتوبر. لماذا لا نحتفل بتلك البذرة الطيبة التي لا تزال تحتفظ لمصر في الخارج بسمعة جيدة في الصناعات النسيجية وما تخرجه الأرض المصرية؟ يكفي أن تقرأ ابنتي على المناشف وبعض الملابس الموجودة في المحال الأمريكية جملة "مصنوع من القطن المصري" لتمتلأ فخرا. لماذا لا نجعل موسم جني القطن احتفالا قوميا نحكي لأطفالنا من خلاله عن الزراعات المصرية وكيف يمكن أن نحقق اكتفاءا ذاتيا ويمكن للأطفال أيضا ارتداء ملابس تنكرية ربما لخيال المآته أو ملابس من البيئات المصرية المختلفة.  

إن الهلع الحقيقى الذي ينبغي أن يصيبنا هو حالة الانقسام والتخبط وتفشي العنف والتدمير الذاتي لمصر الذي يقترفه المصريون بأيدهم ضد مصرهم. هي مصر واحدة..ليست تنظيما.. وليست ساحة اقتتال بيننا..هي أرض طيبة.. لنبتكر من أجل  توحيد صفنا واستعادة قوميتنا.


Image from www.customs.gov.eg