Tuesday, March 29, 2011

من بلاد بعيدة أكتب على أمل الوصول


بعد ما ادى وبعد ما خد
بعد ماهد وبنى واحتد 
 شد لحاف الشتا من البرد 
بعد ما لف وبعد ما دار
بعد ما هدى وبعد ما ثار
بعد ما داب واشتاق واحتار 
حط الدبلة وحط الساعة
حط سجايرة والولاعة 
علق حلمه على الشماعة
شد لحاف الشتا على جسمه
دحرح حلمه و همه و اسمه
دارى عيون عايزين يبتسموا

لهذه الأغنية وقع خاص على نفسى ، عندما اسمعها أود أن أكون مثل هذا الرجل ، أن أصل إلى مرحلة تعليق أحلامى و ثوراتى و صراعاتى وأنا مبتسمة و راضية عن عمرى. حاليا أنا فى قمة الصراع و الانفعال و الحلم  و البحث ، و رغبتى فى الوصول إلى طريق و إلى حسم لصراعات داخلية عدة و مسامحة ذاتى و مسامحة الآخر فى حياتى ، و رغبتى فى التواصل و تبادل الرؤى و الأفكار وراء كتابة هذه المدونة . لك أن تفسر البلاد البعيدة بمعناها القريب و هى بلاد الغربة الحقيقية التى اخترت الذهاب إليها بحثا عن رؤية جديدة و أملا فى القدرة على العودة و الاقتراب مجددا، و إن كانت البلاد البعيدة بالنسبة لى هى ذاتى التائهة عنى و حان وقت استردادها .

 قسمت المدونة إلى موضوعات لتنوع شغفى - و إن كان على تنوعه متصل - هناك موضوعات تتعلق بفنون و علوم الاتصال ويغلب عليها الطابع الأكاديمى لذا ستجدونها تحت عنوان أكاديميا ، وهى فى معظمها الأوراق البحثية التى قدمتها  لأساتذتى وناقشتها معهم ولاقت منهم استحسانا أثناء دراستى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة للحصول على درجة الماجستير فى الصحافة و الإعلام . بذلت فى إعدادها مجهودا كبيرا و لا أريدها أن تظل حبيسة "الفلاش ميمورى" ، فهى توثق لمجموعة من القضايا و المفاهيم و النظريات الاتصالية المهمة ، و إضافة إلى ذلك  توثق لفترة تعلمت فيها  الكثير بالرغم مما لقيته من  صعوبات عدة خاصة  فى البداية. و سيأتى الحديث عن تلك الفترة و تلك الصعوبات لاحقا. 

وهناك موضوعات تتصل بما قرأت مؤخرا من كتب و دراسات ، أسجل انطباعاتى عنها و ما حركت فى نفسى من مشاعر و ما أثارت فى عقلى من أفكار ، أو كتب قرأتها منذ فترة لكنها ساهمت فى تشكيل وعيى و تكوينى و ظلت حاضرة فى ذاكرتى . أضم إلى هذا القسم من المدونة أيضا ما شاهدت من أفلام  روائية و وثائقية . ستجدون تلك الموضوعات تحت عنوان  " قراءات و مشاهدات ".


تحت عنوان " أوراق قديمة " أضع بين أيديكم  كتابات دونتها بين أعوام 1995 و 2000 ، أى أنه قد مر على كتابة بعضها ما يقرب من الخمس عشرة سنة . عندما أعود لقرأتها أجدنى أمام " لبنى " أخرى ، لا أنكر أنها مازالت تشبهنى أو مازلت أشبهها فى نواح عدة ، لكنها ربما  كانت أكثر براءة أو سذاجة . أما عن الأسلوب فهو ملىء بالمحسنات اللفظية ، يميل إلى الخطابة فى بعض الأحيان ، و يحمل سعادة المبتدىء باكتشاف قدرته على التعبير بالكتابة و فرحته بالكلمات ، و يحمل مُثل و شفافية مقتبل العمر.

 هناك أيضا "مساحة حرة " أسجل فيها انطباعات متفرقة عنى و الحياة.

و تحت عنوان " الحلم الأمريكى " أسجل انطباعاتى عن الحياة فى أمريكا.

  

Monday, March 28, 2011

المكتوب

  (1)

عندى هوس بفعل " كتب " ، كتب يكتب فهو كاتب ، و أوراقه التى أودعها أفكاره هى المكتوب .. الساحر.. المغير.. المقلق . " كتب " هو الفعل الأكثر تأثيرا فى حياة البشر .. الفعل الحافظ  للإنسانية ذاكرتها .. اندثرت أقوام و لم يبق منها غير المكتوب ، رسائل من أزمان و عقود سحيقة تحكى قصصا و تسجل تجارب و تؤرخ لأحداث. يسحرنى المكتوب ، يلقى على بتعويذة تأسرنى . عند قراءتى لنظرية علمية أو شخوص روائية أو فكرة أو تحليل لحدث أو موقف ما ، أشعر أن صاحبها يتحدث إلىِ و يسر إلىَ بأفكاره واكتشافاته و خيالاته ، فيتخطى كلانا حدود الزمان و المكان من خلال ثنائية الكاتب و القارىء ، تلك الثنائية التى يخلد فيها القارىء الكاتب بتعاقب الأجيال ،  فإذا ما وقعت عينا القارىء على الأسطر التى خطها كاتب من زمن بعيد  سمع همسات خواطره تتردد فى عقله ، فكأن الروح تبعث فى الكاتب من جديد ، و تعود الحياة إليه فى كل مرة يتصفح أحدهم كتابه. و من أكثر ما أحب ، قراءة خواطر أو انطباعات أو استنتاجات  قارىء مكتوبة على هامش كتاب..علاقة حميمية أخرى تنشأ بينى و بين قارىء احتضن السطوربعينيه قبلى .  كنت أقرأ منذ وقت قريب كتابا من مكتبة "جد" زوجى كتب عام 1939 ، الكتاب و أوراقه الصفراء الرقيقة بعث فى قلبى ارتجافة لمجرد أننى أقرأ أفكارا دونت قبل أكثر من سبعين سنة.. و تأثرت أكثر عندما قرأت ما دونه "الجد" بخط يده على بعض هوامش الكتاب. 

اكتشفت أن هذا الهوس بفعل "كتب" كان وراء اهتمامى بأدب الاعتراف و الذى تمثل فى قيامى بإعداد و تقديم برنامج إذاعى متخصص فى أدب السير ، ثم اهتمامى بالمدونات الشخصية التى كانت محور دراستى للماجستير ، و أخيرا دراستى لمنهج الإثنوجرافى المستخدم فى العلوم الاجتماعية ، و يعنى ببساطة تدوين قصص و عادات مجموعات من البشر من خلال المعايشة و الملاحظة ، و يقوم فى الأساس على ما كتبه الباحث فى مذكراته الميدانية. أعشق قراءة الروايات و أدب السير.. حيوات متوازية أعيش  فى عالمها لساعات .. أتركها .. لأعود إليها بلهفة .. يجمعنى و بعضها صداقة تمتد لعمر بأكمله .

(2)

 لماذا نكتب؟ هل هى الحاجة إلى الإفضاء كنوع من العلاج الذاتى؟  الحاجة إلى الظهور و الإعلان عن الوجود شخصا و فكرا ؟  الحاجة إلى الخلود؟ أم الحاجة إلى المشاركة؟ على اعتبار أن أكثر الكتابات خصوصية هى موجهه فى الأساس إلى قارىء كما ذكر هابرماس Habermas ( ذلك الفيلسوف الألمانى الفذ الذى سأذكره مرارا لأن نظريته الشهيرة " الرأى العام " كانت محور دراستى).  

بالنسبة إلى ، أنا أكتب حتى لا أختنق بأفكارى و هواجسى و أحلامى و ما أكثرها .. الكتابة هى طريقى الوحيد لتخفف من تلك الأثقال .. أكتب لأفهم ، لأتواصل ، و لأتصالح مع ذاتى و زمنى و سنين حياتى . أكتب لأن الكتابة هى الدليل على أنى مررت من هنا ذات يوم .. الدليل على أنى كنت  أحب .. أفكر .. أخاف .. أحزن .. أفرح .. الدليل على أنى كنت أحيا .

اتخذت الكتابة و احتياجى إليها بعدا أخر بميلاد ابنتى نور .. أصبحت الكتابة أمرا مُلحا .. فأنا أريدها أن تقرأنى و تعرفنى و ترانى فى هيئتى الإنسانية الخالصة. لا أريد أن أكون مجرد السلطة العليا .. صاحبة التوجيه و مسئولة الملبس و المشرب و الترفيه .. أريدها أن تعرفنى كما أنا بنجاحاتى و اخفاقاتى .. بنقاط ضعفى و نقاط قوتى .. لا أعرف كم من السنين سأحيا بقربها .. لذا أريدها أن تعرفنى و أن تسامحنى إن تكونت فى قلبها على مدار السنوات غصة  تجاهى .. أريدها أن تتذكر لحظاتنا الحلوة معا .. أريد لها أن تعرف كم أحبها .. أريدها أن تعرف أن ضحكة عيونها تشرح صدرى . ولذا سأضم إلى المدونة لاحقا جزءا خاصا بابنتى و نور حياتى " نور" ستكون فى مجملها  رسائل عن الأمومة و سحرها و ارتباكاتها .