Thursday, April 28, 2011

للحياة ألوان

 Picture by : Kirstin Notle http://www.artbykiki.com/gallery/main.php
استوقفني مؤخرا ما قالته لي صديقتي اللبنانية " لبنى بتعرفي بيلبقلك تكوني يسارية وصاحبة كاس" ! دهشت وارتبكت ولم أعرف بماذا أجيب على هذا الوصف؟ بالرغم أنها لم تكن المرة الأولى التى أصنف فيها إيديولوجيا على أني من اليسار وأحيانا من الشيوعيين، مع الأخذ في الاعتبار أنني لم أعاصرفترة قوتهم و تأثيرهم فى المجتمع المصري ولم أقرأ فى كتبهم، وإن كنت قد درست المذهب الماركسي من بين ما درست من مذاهب الفكر المعاصر أثناء دراستي فى كلية الإعلام. و أذكر أن " تهمة " الشيوعية ألحقت بى من قبل زميل لي فى العمل لأني ذكرت أني أوافق على قول كارل ماركس بإن "الدين أفيون الشعوب"، بالرغم من شرحي لوجهه نظري بأن الدين يصبح "أفيونا" عندما يتحول، على يد مستغليه، من طاقة لبناء الإنسان إلى معوال هدم وكبت للأفكار و المشاعر. ولم تكن المرة الأولى أيضا  التى يحاول فيها أحدهم أن يضعني في إطار محدد أو أن يصنفني. المثير والمضحك في الأمر أن اليسار والشيوعية لم يكونا التصنيفين الوحيدين اللذين وصفت بهما، فقد وصفت بنقيضهما تماما فى مواقف أخرى بعضها متزامن مع مواقف التصنيفات السابقة  مثل المتدينة والمدروشة ومن بين التصنيفات أيضا أذكر علمانية.

بعد قول صديقتي هذا، بات من الضروري بالنسبة لي أن أفكر فى السر وراء عدم الوضوح الذى يراه في البعض فيفسروني كيفما يتراءى لهم. بالنسبة إلى الأمر أبسط من كل الأطر التى يريد البعض أن يضعني فيها ليفهمني أو ليصنفني  كعدو أو حبيب . إذا سلمت بأن تلك الصفات تبدو متعارضة فستكون النتيجة الحتمية هو أننى سأبدو فى نظر البعض بأني غير مفهومة أو مذبذبة أو متناقضة ، لكن إذا نظرت إلى الأمر من وجهة نظري ستجد أنه لا تعارض .


أحب الحلاج1 كما أحب تشي جيفارا .. هل تتعارض محبتي للحلاج الصوفي مع محبتى لجيفارا الشيوعي ؟ كلاهما كان يملك من الشجاعة  ما جعلته يختار أن ينزل إلى الناس  محبة فيهم و رغبة فى الإصلاح الاجتماعي و جهادا ضد ظلم وطغيان الحاكم، وكلاهما دفع حياته ثمنا لذلك الجهاد.


 وهل يمكن أن يمنعني إسلامي من محبة غاندي الهندوسي واحترام جهاده ضد العنصرية عندما كان طالبا  فى جنوب إفريقيا وضد الاحتلال البريطاني وضد الفرقة والتعصب الديني في الهند؟


أطرب لسماع النقشبندي، و تذوب روحى  بل و أكاد أبكي عند سماعي إياه منشدا " مولاي إنى ببابك قد بسطت يدي، من لى ألوذ به إلاك يا سندي"، و يملأني المرح و أرقص وأنا أستمع إلى أغنية  مايكل جاكسون the way you make me feel

تهزني اللحظة التى أسلم فيها عمر بن الخطاب بكل جبروته و قوته .. اللحظة التى لان فيها القلب الجسور إلى كلمة لا إله إلا الله .. ماذا وراءك يا عمر ؟ سأله جماعة من الناس .. ورائي لا إلله إلا الله و أن محمدا رسول الله .. أجاب عمر وسط ذهول الناس، ارتجفُ و أبكى فكأننى أسمع وأشعر بابن الخطاب و قد امتلأ بنور الله و بصدق محمد. 

تبهجني زينة رمضان كما تبهجني زينة الكريسماس. أنير الفوانيس فى رمضان و أضيىء الشجرة فى الكريسماس. أولم يكن عيسى عليه السلام نورا على العالمين كمحمد صلى الله عليه و سلم؟

أعشق مشهد طواف الحجيج  الذى يماثل حركة طواف الأفلاك و الجزيئات فى الكون .. تلبىة لنداء الخالق القادر البديع "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك" .

  
أتابع مسابقات الرقص اللاتيني بين الحين و الأخر، حيث تبهرني قدرات الجسد البشري في التحرك.  أحب مشاهدة الرقص الشعبي بصفة عامة، خاصة رقصات فرقة رضا التى تحكي قصصا مصرية بالألحان والأغانى والحركات، والرقص الروسى المدهش الذي يعتمد بشكل أساسي على قوة عضلات الساق.


لا تحتار فى أمري إذا علمت أن رواية مثل "مريم الحكايا " للأديبة اللبناية علوية صبح تعجبني  بالرغم من الجرعة المكثفة من المشاهد التى تعتمد على الوصف الحسي، ربما لو كنت محل ناشرها لطالبتها بتقليل تلك الجرعة واستخدام الايحاء بدلا من الوصف المباشر الجارح فى بعض الأحيان، لكني أتفهم تماما استخدامها للوصف الحسي كأداة للتعبير عن الظلم والقهر الذى تعانيه النساء ويعانيه مجتمع بأسره مسلوب الإرادة ومهزوم الروح.


للحياة ألوان أراها و أشعر بها وأدركها  ببهجتها وقتامتها وأحيانا رماديتها. لا تحاول إذن أن تصنفني أو أن تضعني فى إطار نرجسي ضيق تحت أية مسميات أو أيدلوجيات. لا تحاول أن تعصب عيني وتسد أنفي وتصم أذني وتغلق فمي. ويحضرني هنا قول الحلاج "ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه"، أرى الله فى اختلاف ألواننا وثقافاتنا وأفكارنا، أراه فى فنوننا واختراعاتنا واكتشافاتنا، في رقصاتنا وإبداعات كلماتنا، في تناحرنا ومحبتنا، في لحظات قوتنا ولحظات ضعفنا. 

للحياة ألوان .. أراها و اشعر بها.   


 [1]


[1] ولد الحسين بن منصور الحلاج حوالى منتصف القرن الثالث الهجرى. كان الحلاج من المتصوفة لكنه فيما يروى اختلف مع متصوفة عصره عندما نزل إلى الناس و جعل التصوف جهادا ضد الظلم و الاستبداد. اختلف المؤرخون حول الحلاج ، منهم من ينظر إليه كثائر على الظلم الاجتماعى و الطغيان فقد كان شاهدا على زمن تحلل الخلافة العباسية ، و منهم من يراه مجدفا و زندقيا.  لكنى أجدنى ارتاح للرواية الأولى و للصورة التى رسمها صلاح عبد الصبور للحلاج فى مسرحيته الشعرية مأساة الحلاج ، فكم من مغير و ثاثر اتهم بالزندقة و التجديف لأنه كان محركا للعقل و الروح ، فكان مصير الحلاج كمصير سقراط

3 comments:

  1. نفس المحاولات لتصنيفى ففى أوقات كثيرة أجد من يحاول ان يضعنى تحت خانة ليبرالية ، والبعض يعتبرنى صوفية وبالتالى لااصلح ان اكون يسارية كما اخر تصنيف سمعته قبل يومين جعلنى اضحك طويلا ، مادفعنى للعودة باحثة عن هذه التدوين تحديدا والتى سبق لى قرأتها ، وكدت اكتب لك فى حينها تعليقى حتى أنا يالبنى اعيش هذه الحالة ، خاصة مع التجاذبات الحادة التى نعيشها فى وطنى بهذه المرحلة ....اشتقت لاحرفك فلا تطيلى الغياب ..وبإنتظار كتابك الثانى برفقة طفلتك الجميلة لتشاركينا به ..مودتى دائما

    ReplyDelete
  2. ايناس تحياتي الخالصة..وأشكرك انك جعلتيني أعود لتلك التدوينة التي مضى على كتابتها ثلاث سنوات..في عالمنا الطائفي المتناحر يبدو أمثالنا وكأنهم كائنات من كوكب أخر يا عزيزتي.. والله يا إيناس أنا كنت بحاجة إلى قراءة كلماتك..أمر حاليا بظروف صحية وعائلية صعبة فتوقفت عن الكتابة ومتابعة الكثير من الأحداث وإن كنت اكتب في ذهني مرات عده في اليوم الواحد ولكن لا شيء على الورق إلا القليل غير المكتمل..دعواتك

    ReplyDelete
  3. اتمنى ان تكونى بخير دائما عزيزتى لبنى

    ReplyDelete