Thursday, October 10, 2013

الزمكان

صباح هادئ كمعظم اصباح فريجينا.. ازيح الستائرعن النوافذ لتنساب خيوط ضوء الصباح الأولى بهدوء إلى داخل البيت. يخدش سكون الصباح صوت صفير تدافع ذرات بخار الماء من إناء الشاي وصوت آخر يأتي من داخلي. اسرع الخطى نحو المطبخ لأرفع الإناء عن الموقد حتى لا ينبه الصوت زوجي وابنتي فيوقظهما باكرا واليوم عطلة.. ولكن كيف يمكن لي أن أُخمد الصوت الآخر الذي يخاطبني من الداخل حتى لا يفسد علي لحظات الصباح الهادئة تلك؟ كالعادة استسلم للصوت الذي أصبح الآن أوركسترا من الأصوات وأنا أرشف الشاي الساخن ببطء وأفكر في الزماكان! فقط تلاحقني الكلمة بجزئيها "الزمان والمكان" هذا الصباح، لا نظرية آينشتين بالطبع حيث تربطني وعلم الفيزياء علاقة نفور قديمة. مضت أربع سنوات ونصف على إقامتي بالولايات المتحدة..أحيانا لا أصدق كيف مرت السنين سريعا..كيف تآلفت مع شوارع فرجينيا وأصبحت أحفظ مسالكها ودروبها بعدما كنت أضيع كثيرا على طرقاتها الحلزونية التصميم..كيف أصبح لي أصدقاء ومعارف وجيران جدد حتى أن البعض منهم أصبح قريبا إلى روحي وقلبي.. كيف أصبحت أعرف جيدا العلامات التجارية لمختلف المنتجات التي وإن بدا الأمر بسيطا كان يربكني شراؤها في الأيام الأولى..وكيف أصبح الوطن في المقابل يسبب لي ارتباكا في تفاصيل صغيرة جدا.. كأن أضيع بسهولة على طرقات كانت تحفظ وقع خطواتي وأن تفقد أناملي ذاكرتها لأماكن مفاتيح النور في بيتي.

 تبدلت أدوار التألف والارتباك إلا أنني وبالرغم من ذلك عالقة بين زمنين ومكانين..أعيش يوميا بتوقيتين "صباح الخير بتوقيت فرجينيا ومساء الخير بتوقيت القاهرة"هكذا أداعب والدي في افتتاحية لقاءنا اليومي عبر برنامج سكيب الذي يخترق حاجزي الزمان والمكان في آن واحد.. تفاصيل صغيرة مثل قنينات العطور الزجاجية ولوحات للأهرامات والنخيل والنيل والمساجد القديمة وغيرها من الأشياء المتناثرة هنا وهناك عبر بيتي تُحيلني إلى عالمي الذي أتيت منه.. اتذكر ما قالته لي مغتربة عربية تعيش في أمريكا قرابة العشر سنوات في أول لقاء لي بها  "بعد مرور العام الأول وربما الثاني على الأكثر ستصبحين عالقة للأبد بين مكانين".

 أحيانا أشعر أن قلبي رحالة بين عوالم وأزمان مختلفة..بين الحين والحين أتجول وسط أحلامي كيف كانت وكيف أصبحت بمروري في الزمان والمكان. أبدلت عشرات الأحلام.. كم بابا للأمنيات طرقت.. وكم طريقا للأحلام مشيت.. وكم من مرات أضعت الطريق..وكم من مرات وكم..


يدور في رأسي مشهد من فيلم "السبع بنات" الذي كنت أشاهده مع ابنتي ليلة أمس في تقليد اتبعه معها منذ فترة.. اختار بعناية فيلما عربيا  قديما لنشاهده معا كلما تسنى لنا ذلك.. فيما يمثل بعدا آخر من أبعاد تجولي عبر الزمان والمكان.. أتجول في زمن صباي عبر مشاهدتي لأفلام الأبيض والأسود، تلك التي أحفظ معظمها عن ظهر قلب حيث كانت القناة الأولى تعرض يوميا فيلما قديما بعد الظهر، ربما أكون قد ذكرت ذلك في تدوينة قصيرة من قبل، حيث وكأن الحوائط  تتبدل من حولي.. للحظات أرى "التليفزيون" بشكله الصندوقي التقليدي و"الكنبة" التي كنت أجلس عليها وأنا أشاهد ما يعرض أمامي على الشاشة في بيت أبي آنذاك.. ينتابني شعور بالحنين للحظات.. أما عن سر ذلك التقليد فهو رغبتي في أن تستمع ابنتي إلى اللهجة المصرية  فأنا أواجه تحديا كبيرا للحفاظ على لغتها العربية ووجدت أن الأفلام والرسوم المتحركة المدبلجة بالعربية أدوات تؤتي ثمارا.. وربما هي أيضا رغبة مني في التواصل معها وربطها  بأحد عوالمي وأزماني..


 http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/kosmos/bilder/0043-2.jpg
يقطع ضجيج الأصوات في رأسي صوت صغير محبب إلي: ماما إحنا النهارده خلاص ولا لسه إمبارح؟"
أجيب بتلقائية: مش عارفة يا حبيبتي.. إحنا حاجة بين الاتنين.  

No comments:

Post a Comment