Tuesday, June 14, 2011
لو لم أكن مصريا
كتبت هذه الخاطرة فى مايو 2009 بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على وصولى إلى الولايات المتحدة.. ومازالت مصر الهم الذى لا ينقطع و مازال يتملكنى شعور بالعجز تجاهها . يعقب الخاطرة تأملات حديثة عن الثورة ..
"لو لم أكن مصريا لوددتُ أن أكون مصريا " تذكرت على التو هذا القول المأثور للمناضل المصرى "مصطفى كامل" الذى كنا ندرس قوله على أنه مبالغة مقبولة ، عندما سألنى شاب أمريكى من أصل أفغانى يحمل من العمر سبعة عشر ربيعاً " لو لم تكونى مصرية أى مكان تتخذينه وطناً أمريكا أم مصر؟" فى محاولة أخيرة منه - حسبما تراءى لى- لفهم و صياغة معنى واضح لمفهوم الوطن الذى لا يعرف عنه سوى ما يحكيه الأهل و ما تتناقله وسائل الاتصال المختلفة . بدا لى أننى أثرت فضول ذلك الشاب " أحمد" بحديثى عن افتقادى لوطنى و أهلى و أصدقائى فأمطرنى بوابل من الأسئلة بدءا من ما الذى أسرنى فى أمريكا؟ و ما الذى افتقده فى مصر؟ و أى البلدين أفضل من وجهه نظرى؟ إلى ما الذى يربطنا بالوطن .. الأرض أم الأهل؟ هو يرغب فى زيارة وطنه الأم أفغانستان يوما ما و لكنه يعتقد أنه سيشعر بغربة شديدة هناك لأن أهله كلهم تقربيا يعيشون بأمريكا ... وطنه الذى اجتاح وطنه الأم كما قال لى ساخرا. فاجأنى أحمد بسؤاله الأخير و لم تكن المفاجأة فى السؤال ذاته بل فى عدم قدرتى على الإجابة . قلت له إنه سؤال يستدعى التفكير ، فبدا عليه القليل من الإحباط .
ربما كان يبحث فى إجابتى عن بعض السلوى لحيرة شاب فى مقتبل العمر موزع الروح بين ثقافتين و وطنين . هو يرى أن الوطن يتلخص فى الأهل و الأصدقاء و ما يوفره لك هذا الوطن من أمن و رخاء، و لكن أسئلته تشير إلى عدم اقتناعه الكامل بتلك الرؤية. ربما كان يشعر بمسئولية ما تجاه وطنه الأم و يريد طرحا جديدا لرؤيته التى مازالت فى طور التشكل.
تركنى ذلك الشاب فى حيرة من أمرى. لماذا لم أتمكن من الإجابة على سؤاله؟ أهو الخوف من أن تكون إجابتى أمريكا؟ أم لأننى مثله لازلت أبحث عن معنى للوطن؟ لا أنكر إعجابى بأشياء عدة هنا، لعل أبرزها وجود نظام واضح و محدد يتحرك الجميع فى إطاره. و لا أخفى شدة افتقادى للأهل و الأصدقاء ، حتى أننى فى بعض الأوقات أشعر أنه لا ينقصنى سوى وجودهم إلى جوراى ، الأمر الذى قد يجعل من حياتى هنا مثالية. و لا أنكر أنه فى الفترة الأخيرة تملكتنى رغبة فى الابتعاد حتى أتمكن من الاقتراب من جديد..
و لكن تبقى حقيقة واحدة.. لا يختار أحد منا نشأته ووطنه.. مصر هى عشقى و ألمى وهمى الذى لا ينقطع.. هى انتباهاتى واكتشافاتى الأولى ..هى تمردى على ما هو سائد فيها..هى عجزى عن مواجهه قتلتها و نهابها و فاسديها .. هى هروبى من أحزان ساكنيها...هى خوفى من نارها الدفينة تحت الرماد.
مصر مرور عشوائى و ربيع عاصف..تطرف و تسامح ..تلقائية وتربص.. مصر هى قدرى الذى أحمله معى أينما ذهبت.. فى موسيقى "عمر خيرت" و أغانى" سيد درويش" و " محمد منير" التى تتردد دوماً فى أركان شقتى هنا..فى رباعيات "جاهين" التى تحتل موقع الصدارة على أرفف مكتبتى.. فى لوحة لعظمائها معلقة على حائطى..فى دفتر أوراقى الذى يضم براءة و سذاجة طفولتى.
مصر مسافات قطعتها فى صباى مع صديقات لى جمعت خطواتنا أحلام مقتبل العمر ما تحقق منها و ما لم يتحقق..مصر صورة شعرية لشوقى ، للنيل النجاشى و قلوع المراكب التى تشبه أجنحة الحمام.. نزهة مع والدى فى القلعة و الخيمية و تحت الربع و سوق السلاح.. جولة فى مكتبات وسط البلد.. أمسيات الخميس بنادى المعادى.. ليلة رمضانية فى سيدنا الحسين.. آيات قرآنية تتلوها والدتى بصوتها الحنون لتنير لى الطريق..مصرهى أملى الدائم الذى لا أفقده و لا أعرف لما.
أروى الحكايات و أطلق النكات و أضحك و أبكى بطريقة و نكهة مصرية...مصر هى أنا ..هى بحثى الدائم عنى وسط صخبها و نتاقضاتها .. و سط أحزانها و أحلامها.
و لكن تبقى حقيقة واحدة.. لا يختار أحد منا نشأته ووطنه.. مصر هى عشقى و ألمى وهمى الذى لا ينقطع.. هى انتباهاتى واكتشافاتى الأولى ..هى تمردى على ما هو سائد فيها..هى عجزى عن مواجهه قتلتها و نهابها و فاسديها .. هى هروبى من أحزان ساكنيها...هى خوفى من نارها الدفينة تحت الرماد.
مصر مرور عشوائى و ربيع عاصف..تطرف و تسامح ..تلقائية وتربص.. مصر هى قدرى الذى أحمله معى أينما ذهبت.. فى موسيقى "عمر خيرت" و أغانى" سيد درويش" و " محمد منير" التى تتردد دوماً فى أركان شقتى هنا..فى رباعيات "جاهين" التى تحتل موقع الصدارة على أرفف مكتبتى.. فى لوحة لعظمائها معلقة على حائطى..فى دفتر أوراقى الذى يضم براءة و سذاجة طفولتى.
مصر مسافات قطعتها فى صباى مع صديقات لى جمعت خطواتنا أحلام مقتبل العمر ما تحقق منها و ما لم يتحقق..مصر صورة شعرية لشوقى ، للنيل النجاشى و قلوع المراكب التى تشبه أجنحة الحمام.. نزهة مع والدى فى القلعة و الخيمية و تحت الربع و سوق السلاح.. جولة فى مكتبات وسط البلد.. أمسيات الخميس بنادى المعادى.. ليلة رمضانية فى سيدنا الحسين.. آيات قرآنية تتلوها والدتى بصوتها الحنون لتنير لى الطريق..مصرهى أملى الدائم الذى لا أفقده و لا أعرف لما.
أروى الحكايات و أطلق النكات و أضحك و أبكى بطريقة و نكهة مصرية...مصر هى أنا ..هى بحثى الدائم عنى وسط صخبها و نتاقضاتها .. و سط أحزانها و أحلامها.
و من هنا يفقد سؤال ذلك الشاب معناه بالنسبة إلىِ ، و يصبح قول "مصطفى كامل" منطقيا و حتميا. فلو لم أكن مصرية لوددت أن أكون مصرية .. لأننى ببساطة لا أعرف إلا أن أكون .. مصرية.
2011
ثارت مصر و لم أكن هناك .. ثارت مصر و قدر لى أن أشهد ثورتها عبر شاشات التلفزة و أنا عاجزة عن فعل أى شىء .. قدر لى أن أشهد فى غربتى الثورة تعم أرجاء أرضها التى تحفظ وقع خطواتى و أحلامى . ثارت مصر و لم أكن هناك بين أصدقائى فى الميدان لأستمد منهم الشجاعة و القدرة على الحلم من جديد. ثارت مصر .. و لم أكن هناك.
غيرة .. خجل ..خوف .. شك ..غضب.. وأمل .. تحركت تلك المشاعر و اختلطت داخلى .. غيرة من هؤلاء الشباب الذين استطاعوا إشعال جذوة الحلم .. غيرة من كل من كان فى الميدان .. خجل من ذاتى لأننى لم أملك شجاعة هؤلاء فى فتوة شبابى لأخرج و أفصح و أعلن صارخة عن كل ما يؤلمنى و يقهرنى .. خجل لأن لم يكن باستطاعتى أن أكون هناك ..خوف على أهلى و أصدقائى و أحبائى .. خوف من الفشل.. شك تملكنى تجاه نفسى و سؤال عن إذا ما كانت مبادئى و أفكارى ستثبت و تتغلب على خوفى بذهابى إلى الميدان إذا ما كنت هناك .. غضب من كل من وقف ضد الثوار جهلا أو خوفا أو اعتيادا على حال مؤسف.. أمل فى مصر أخرى جميلة و حرة و أبية.. و أمل فى التخلص من شعور بالعجز يتملكنى كلما تردد اسم مصر.
Monday, May 30, 2011
ثوب برتقالى و حلم ملون
منذ استلامنا الدعوة لحضور حفل عيد ميلاد أحد أصدقائها ، أخذت ابنتى نور تفكر و ترتب و تسأل عن مدى اقترابنا من اليوم الموعود. اختارت نور بعناية ثوبها البرتقالى " زى لون الشمس" و حذائها الأبيض و " توكة " شعرها التى لم تنسى أن تكون ملائمة للون ثوبها .و ظلت تحكى عن الألعاب التى ستلعبها ، و تخمن من سيأتى من أصدقائها إلى الحفل ، و تحلم بالبالونات و التورتة الكبيرة الملونة.
و عندما جاء اليوم المقرر للذهاب ، حدث ما لم يكن فى الحسبان. اجتمعت الأقدار على عدم وصولنا إلى مكان الحفل. كان الأمر غريبا حقا ، مسلك خاطىء ، أعقبه حادث سير كبير أصاب حركة المرور بشلل تام ، ثم إشارة معطلة ، و أخيرا نفاد الوقود. لآخر لحظة لم تصدق نور أننا لن نستطيع الذهاب للحفل الذى انتظرته أسبوعا كاملا بفارغ الصبر و ارتدت من أجله فستانها المفضل. بكت نور بشدة و اختنق صوتها وسط دموعها و هى تعلن عن رفضها للوضع القائم و رغبتها فى الذهاب إلى الحفل الآن . ضممتها إلى صدرى و حاولت تهدئتها، رفضت فى البداية ثم استسلمت و بدأت فى الاستماع إلىّ ، شرحت لها ما حدث مرة ثانية و أتفقنا على أن نذهب إلى مكان آخر أعرف أنها تحبه ، و كعادتها اختتمت نور حديثها معى بأمل فى تحقق حلمها الطفولى البسيط فى وقت آخر " حنروح عيد الميلاد فى مرة تانية .. مش كده ؟ ".
حبيبتى .. يعجبنى تمسكك بتحقق أحلامك ، إن لم يكن اليوم فربما غدا . صغيرتى ستأتى أيام ترتدين فيها للحياة أبهى ثيابك و تتزينين بآمالك و انطلاقاتك ، لكن أقدار الحياة لا تأبه أحيانا بالزينة و الأحلام الملونة. إذا حال طريق الحياة بينك و بين حلم لك ، و إذا لم ينجح مسعاكِ فى الوصول إلى أمر كنت ترغبين فيه ، و إذا ما جاءت الأيام بغير توقعاتك ، أريدك أن تتذكرى أنه لا ضرر من الضيق و الحزن و حتى البكاء ، تلك مشاعر لا يمكن أن نمنع أنفسنا من الإحساس بها ، مساحة من الوقت لا تطول و لا تلقى بك فى دوامتها. أريدك أن تستدعى تلك الروح الصغيرة البريئة القادرة على المواصلة و الحلم من جديد. أريدك أن تعرفى أنها بداخلك مهما كبرت و أنها ستجد لك مسلكا ، بإذن الله ، مهما كان طريق الحياة صادما و و عرا .
Saturday, May 14, 2011
أبناء رفاعة
![]() |
اللوحة للفنان التشكيلى المصرى صلاح عنانى |
يقدم الكاتب بسرده التحليلى للتاريخ دفاعا عن قادة التنوير فى مصر الذين تعرضوا لهجوم عنيف طال من سمعتهم وإيمانهم ، و شوهت أفكارهم من قبل تيارات تعتمد فى أسلوبها على إرهاب الفكر و الضمير، دون أى قدرة حقيقية على مواجهة الفكر بالفكر و تقديم مشروع نهضوى إنسانى يحمل فى طياته سماحة الإسلام و رسالته الفكرية العظيمة كالمشروع المصرى التنويرى الذى قادته أسماء مثل رفاعة الطهطاوى و على مبارك و عبد الله النديم والشيخ محمد عبده و قاسم أمين و الشيخ مصطفى عبد الرازق و طه حسين و أحمد أمين و الشيخ أمين الخولى و غيرهم من مفكرى مصر العظام.
نبه بهاء طاهر إلى خطورة ما يحدث من تشويه لما حققه هؤلاء الرواد فى الحياة الثقافية و الاجتماعية بل و السياسية فى مصر عام 1993 و بعد هذا التاريخ بحوالى تسع سنوات واجهنى أحد أقربائى - عند زيارته لى- برأيه أن مكتبتى الشخصية أنا و زوجى تحوى كتبا لأعداء الإسلام و تحديدا ( طه حسين و نجيب محفوظ ). لم أفهم كيف من كتب (الوعد الحق) و (على هامش السيرة ) و (الشيخان) يصبح عدوا للإسلام ؟ و بالرغم من كل ما أثير حول نجيب محفوظ و روايته ( أولاد حارتنا ) فإن عملا (كأصداء السيرة الذاتية) لا يكتبه إلا رجلا زاهدا ..عابدا.. متصوفا. و تشهد مصر فى الفترات الأخيرة انتشارا ملحوظا للفكر السلفى فيصبح قاسم أمين عدو المرأة الأول لمطالبته بسفورها و خروجها للعمل. أظهر المشهد الاجتماعى و الثقافى المصرى خلال الثورة و بعدها مقدار الخلل الذى أحدثته سنوات حكم مبارك و من حكم قبله من العسكر فى الروح المصرية و مقدار ما خسرته من مكاسب حققتها بفضل هؤلاء الرواد . فعلى طريقة " مالك رقاب الأمم و ملجأ العرب و العجم اللهم أدم ملكه و اجعل الدنيا بأسرها ملكه " التى ذكرها بهاء طاهر ليدلل على الصورة التى كان يخاطب بها و بنظر بها المصريون إلى حاكمهم العثمانى قبل حركة التنوير، و جدنا من يلقب مبارك بالأب الذى وجب طاعته و احترامه بل و التعاطف معه. ووجدنا من يستنكرعلى هؤلاء الشباب مطالبهم على غرار أن " أهل مصر لا يمكن أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم" و هى الفكرة التى كان يؤمن بها مؤرخ و مثقف مثل الجبرتى مما يدل على ثقافة العصر فترة الحكم العثمانى/المملوكى لمصر كما جاء بالكتاب .
نتذكر جميعا الحوار الشهير الذى درسناه فى كتب التاريخ بين الخديو توفيق و الثائر المصرى أحمد عرابى ، الذى يقول فيه الأول للثان
- لقد ورثت أنا ملك هذه البلاد عن آبائى و أجدادى و ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.
فجاء رد عرابى مدويا : و الله الذى لا إله إلا هو لقد خلقنا الله أحرارا و لم يخلقنا تراثا و عقارا ، و الله إننا لن نورث و لن نستعبد بعد اليوم.
يرى طاهر أن هذه اللغة التى تختلف جذريا عن لغة " مالك رقاب الأمم " هى نتاج جهد نوع آخر من المثقفين بشروا بالحرية و علموها لشعبهم فأينعت جهودهم ثمارا فى أقل من قرن واحد من الزمان. يرتكز تحليل الكاتب على أن تلك الجهود أثمرت لسببين رئيسيين: الأول ربط أفكار مثل الحرية و المواطنة والمساواة و نبذ السلطة الدينية بقيم التراث اللإسلامى فشعر الشعب أن هذه الأفكار و غيرها ماهى إلا امتداد لقيم متأصلة فى عقيدتهم. فلم يسقط الرافد الغربى – وهو مؤثر هام من مؤثرات التغيير الثقافى فى مصر – فى أرض جرداء على حد قول طاهر. فالرجل الذى تدين له مصر بالفضل الأكبر فى نهضتها التعليمية و الثقافية و هو رفاعة الطهطاوى كان ابنا من أبناء مؤسسة الأزهر العريقة و جاء التقاءه بالحضارة الغربية عندما سافر باعتباره مرشدا دينيا لطلاب بعثة محمد على إلى فرنسا. و يرى طاهر أن لهذا الامر دلالة هامة و هى أن هاجس الحفاظ على الهوية الثقافية وعدم الذوبان فى الثقافة الغربية كان حاضرا فى ذهن المؤسس الكبير للدولة المصرية الحديثة. و الأهم من ذلك برأيه أن الثقافة الغربية عندما قدمت إلى المصريين للمرة الأولى لم تكن نقلا أعمى ، لكنها قدمت لهم من خلال نفس قادرة على التحليل و النقد و البحث فى أوجه التشابه فى التراث مع العناصر الإيجابية فى الحضارة الغربية ، و فى مرحلة أخرى بالتفسير الجديد للتراث الذى تطلب جهدا آخر من رائد أزهرى آخر هو الإمام محمد عبده الذى يعده الكاتب الإسلامى الدكتور محمد عمارة "مجدد الدنيا بتجديد الدين" و رأس المائة الثالثة عشرة فى التاريخ الإسلامى.
و سأتوقف عند أمثلة ساقها الكاتب لبيان مقصده . استند الطهطاوى على التراث الدينى لإحياء مفهوم الوطن الغائب لقرون طويلة عند المصريين فبين لهم أن " حب الأوطان فضيلة جليلة .. و أن مصر أعز الأوطان لبنيها و هى مستحقة برها منهم بالسعى لبلوغ أمانيها و ذلك من ناحيتين : أنها أم لساكينها ، و بر الوالدين واجب عقلا و شرعا على كل إنسان ، و الثانية أنها ودوة بارة بهم ." كما بين لهم أن وحدة الوطن تعنى وحدة أبنائه و المساواة بينهم أيا كان الدين الذى يعتنقونه " أن جميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن يجب على أعضاء الوطن فى حقوق بعضهم على بعض لما بينهم من أخوة الوطنية.." و يشير طاهر إلى أن هذه المفاهيم تظل مفاهيم مجردة حتى يتخرج من المدارس – لا ننسى هنا دور الطهطاوى فى وضع سياسة التعليم المصرى فى الدولة الحديثة – عدد كاف من المتعلمين و المثقفين و حتى تظهر الصحف الوطنية و تتصاعد الأحداث لتصهر الوعى الوطنى و توجهه.
يسترسل الكاتب فى تحليله للأحداث التى أدت إلى انصهار هذا الوعى الجديد منها التحالف المركب من الغرب و خلفاء محمد على الذين حكموا مصر على طريقة الدولة العثمانية ذات القناع الدينى ، الأمر الذى أدى إلى غرق مصر فى الديون و إهداء مصر إلى أوروبا قناة السويس التى مات الآلاف من أبنائها أثناء حفرها ، و صولا إلى تعيين وزراء أوربيين فى حكومة مصر بحجة ضمان الوفاء بالديون. فى تلك الفترة ظهر الإمام محمد عبده ليستكمل ما بدأه الطهطاوى فى بعث مفاهيم الوطن و المواطنة و المساواة و الحرية و التى مهدت الطريق للثورة العرابية. فقد كانت رؤية الإمام تأصيلا لمفهوم الدولة المدنية التى تحقق لمواطنيها المساواة و الأمن و الحرية . نفى الإمام " أن تكون فى الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة و الدعوة إلى الخير" كما أكد على أن الحاكم فى هذا المجتمع هو حاكم مدنى " واختياره و عزله أمران خاضعان لرأى البشر لا لحق يتمتع به هذا الحاكم بحكم الإيمان .. فأصل من أصول الإسلام قلب السلطة الدينية و الإتيان عليها من أساسها .. لم يدع الإسلام لأحد بعد الله و رسوله سلطانا على عقيدة أحد ، و لا سيطرة على إيمانه ، على أن الرسول عليه الصلاة و السلام كان مبلغا و مذكرا ، لا مهيمنا و لا مسيطرا .. فليس فى الإسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه .. و لم يعرف المسلمون فى عصر من الأعصر تلك السلطة الدينية التى كانت للبابا عند الأمم المسيحية."
أما السبب الثانى لنجاح جهود قادة التنوير فى بعث مفاهيم جديدة فى الروح و العقلية المصرية أدت إلى احتضان الشعب لمفاهيم الاستقلال عن الدولة العثمانية و أوروبا ، و المساواة فى الحقوق و الواجبات بين أبناء الوطن ، و الحكم النيابى الذى يقيد سلطة الحاكم و يقنن و يشرع الحقوق و الواجبات ، و المحاربة من أجل تحقيق هذه الافكار و التى تمثلت فى ثورة عرابى و ثورة 1919 فيما بعد ، هو نقل الأفكار من دائرة المثقفين و المتعلمين إلى مستوى الوعى الشعبى العام ، فكانت البداية بجهود خطيب الثورة العرابية عبد الله النديم. أسس النديم صحيفة " التنكيت و التبكيت " واختار لتحريرها لغة أقرب إلى العامية ليشرح للناس بلغة بسيطة مخاطر التدخل الاوروبى فى مصر و معنى التمثيل النيابى . و كان إصدار الدستورمعركة أساسية أثناء الثورة العرابية فلجأ النديم إلى إسلوب الخطابة الذى كان بارعا فيه ، فأخذ يجوب أنحاء مصر يخطب فى القرى و المدن الصغيرة يتحدث إلى الناس و يشرح لهم بلغة لا تعقيد فيها العلاقة بين الدستور و بين مشاكل حياتهم اليومية. استغل النديم قدرته على الإقناع و جولاته فى مختلف أنحاء القطر المصرى ليجمع توقيعات الناس على المنشور الموحد الذى كتبه بنفسه للمطالبة بإنشاء البرلمان و العدالة الاجتماعية للفلاحين و الفقراء و حققت الثورة الشعبية النجاح الاقصى لها بإنشاء البرلمان عام 1882 و هو أول برلمان منتخب فى المشرق العربى قام بإعلان أول دستور مصرى
يستكمل طاهر سرده لكفاح قادة التنوير فى إعادة الروح إلى الحياة الاجتماعية و الثقافية و السياسية فى مصر. فيقدم سردا تحليلا للدور الذى لعبه قاسم أمين ( الذى كان تلميذا فكريا للنديم و محمد عبده ) و كتاباته التى مهدت الطريق لتحرر المرأة و سفورها والتى على ما يبدو أنها لاتزال تثير جدلا موسعا فى حاضرنا. و كيف مهد كفاح هذا الجيل إلى ظهور جيل جديد من المثقفين فى سنوات الاحتلال البريطانى لمصر و هو جيل مصطفى كامل و سعد زغلول فى السياسة ، و جيل شوقى و حافظ فى الشعر ، و سيد درويش فى الغناء، الذى أيقظ الوعى الشعبى مرة أخرى فخرجت ثورة 1919 باتحاد الهلال مع الصليب و بخروج المرأة المصرية لأول مرة فى التظاهرات بجانب الرجل و لتنتزع مصر دستورا جديدا. بالكتاب أيضا سردا مطولا لمشروع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين الفكرى و التعليمى الذى يحتاج إلى عرض خاص لأفكاره الملهمة و لتقديمه تحليلا و توضيحا منطقيا لموقف العميد من الثقافة الغربية .
إذن اثمرت جهود رواد التنوير لأن لأفكارهم جذورا ممتدة فى التراث و لأنهم كانوا بين الناس و كان معترف بهم كقادة طبيعيين للمجتمع على حد تعبير طاهر. و يطرح الكاتب أكثر من سؤال : " ما الذى حدث بحيث أصبحت الثقافة الجديدة التى غيرت وجه الحياة فى مصر فى موقف الدفاع عن النفس؟" كيف صار البعض بعد كفاح قرنين من الزمان يحنون إلى ظلام العصر العثمانى الذى أوشكت مصر فى ظله أن تبيد؟ و كيف أصبح أقطاب التغيير الثقافى منذ الطهطاوى و حتى طه حسين موضع الشك و التجريح بأقلام كتاب تقصر قاماتهم عن أن تحقق عشر معشار ما فعله هؤلاء الرواد العظام لصالح مصر؟ و كيف يجد أمثال هؤلاء آذانا صاغية؟ " أسئلة لا تزال تطرح نفسها بقوة على المشهد المصرى . يمكن صياغة أكثر من محور للإجابة فهناك أسباب إقتصادية و إجتماعية و سياسية اجتهد فى تقديمها الكثير من الكتاب. لكن بهاء طاهر قدم طرحا آخر مرتكزا على عنصر التطور الثقافى وحده ، ملخصه أن مكانة المثقف و أهميته لدى الشعب و لدى القيادة السياسية هى السند الحقيقى لدور المثقف و عمله فى مجتمعه.
يرجع طاهر التراجع الثقافى الذى شهدته مصر إلى فصل المثقفين عن الشعب و عن المساهمة الحقيقية فى رسم حاضر و مستقبل مصر بقيام ثورة 1952 . و يشير الكاتب إلى أن عصر الثورة قد شهد حشدا من عمالقة الثقافة المصرية الحديثة على سبيل المثال لا الحصر طه حسين و العقاد و توفيق الحكيم و محمد مندور و جمال حمدان و نجيب محفوظ و يحيى حقى و يوسف إدريس ، يصفهم طاهر" بكتيبة من المدفعية الثقيلة " لو ترك لهم المضمار فى "معركة التنوير و الحرية " لتغير المشهد المصرى تماما. كان دور المثقف فى العهد الناصرى شرفيا فقد كرم طه حسين و كان رئيسا شرفيا للمجلس الأعلى للآداب و الفنون أما الأمين العام للمجلس فقد كان من الضباط ! أما أن ينفذ مشروع طه حسين التعليمى و الفكرى النهضوى الذى وضع إطاره فى كتابه " مستقبل الثقافة فى مصر" فهو درب من دروب المستحيل، فليس من حق المثقف أن يطرح بديلا و إلا ظهرت العصا بدلا من الجزرة على حد تعبير طاهر. و تكرر النمط ذاته مع غيره من المثقفين.
و يرى الكاتب أن الضربة القاضية التى وجهت للمثقف كانت فى عهد السادات. فإذا ما كان المثقف فى عهد عبد الناصر فردا "مغلوب على أمره" فإن احترام العامة و تقديرهم له كان لايزال موجودا. فقد بدأت الحملة لتشويه سمعة المثقفين و إزدراءهم منذ بداية حكم السادات. فقذفهم بأوصاف مثل " مجموعة الأفندية الحاقدين " و " الشيوعيون الملحدون " ، و فصل منهم من فصل - كان من بين الذين فصلوا فى بدايه عهده توفيق الحكيم و نجيب محفوظ – و عندما اعترض المثقفون على سياساته بعد حرب أكتوبر بدأت الحملة الكبرى فى القضاء عليهم و اقتلاع جذورهم من المجتمع ، و بدأت سياسات غلق الصحف و المجلات و طرد و سجن الكتاب و المفكرين ، و أطلق عليهم مجموعة من الشتامين من الكتاب الأدعياء لوثوا سمعة كل كتاب مصر أمام الجماهير ، مما أدى إلى خروج عدد كبير منهم إلى دول الخليج أو إلى غيرها من منافى الأرض. فكان من الطبيعي أن تجد بعد ذلك كتبا تصدر للهجوم على قاسم أمين و طه حسين و كل المفكرين الذين أخرجوا مصر من منظومة الحكم العثمانى حيث الطاعة العمياء للحاكم الذى هو ظل الله على الأرض. ثم كانت الخطوات اللاحقة من وصف المثقفين بالعلمانيين و الدنيوين و حتى الكفار! بخروج المثقفين الحقيقين تردى مستوى ثقافة الجمهور العام و انفصل المثقف عن جمهوره ، و ظهرت سينما المقاولات و مسرح القطاع الخاص ، و امتلأت الساحة بالمداحين و المنافقين ، و فى ظل هذا التراجع الثقافى العام لا تروج أفكار تلاميذ الطهطاوى و محمد عبده ، بل تروج أفكار لجماعات أخرى وجدت الساحة خالية و مهيئة لنشر أفكارها كجماعة الإخوان المسلمين و جماعات الجهاد الإسلامى .
اثبتت ثورة 25 يناير العظيمة و المفاجئة بالدليل القطعى أن أبناء رفاعة لا يزالوا حاضرين و الجميل أننا لم نسمع أسماءا لامعة و لم نعرف وجوها محددة إلا قليلا .. فهناك جيل بأكمله من أبناء رفاعة بيننا- تتطلب معرفة الروافد المؤثرة فى هذا الجيل بحثا مطولا - لكنها أظهرت أن أنصار منظومة دولة الحاكم المرشد و ظل الإله موجودن بيننا و بقوة و أن دولة الأدعياء و المنافقين لا تزال حاضرة أيضا ، و لكنى على يقين أن أبناء رفاعة سيظلون على عهدهم و سيواصلون جهودهم لتأصيل ثقافة الحرية فى وطننا ، وهذه المرة للأبد بإذن الله.
* أرشح هذا الكتاب للقراءة بشدة ، بل و أتمنى أن يلتفت إليه القائمون على وضع مناهج التاريخ لطلبة المرحلة الثانوية . أضعف الإيمان أن يقرر كقراءة خارجية لأنه يقدم سردا تاريخيا تحليليا معرفيا و ليس سردا معلوماتيا ، و بالتالى يساعد الطالب على فهم الأحداث و تحليلها و ربط النتائج بالأسباب . و انتظروا منى المزيد من التأملات و البحث فى المثقف و دوره.
Monday, May 9, 2011
أريد عالما أقل تعقيدا
أريد عالما أقل تعقيدا ، فلم يعد عقلى البسيط قادرا على استيعاب قرارات الساسة و القادة ، لم يعد قادرا على فهم تحليلات المفكرين و المنظرين و آرائهم فيما يحدث و لماذا يحدث ، لم يعد قادرا على استنباط المعنى من كثرة ما يروى و يُحكى . و فشلت حكايات التاريخ الإنسانى أن تفسر لى كيف ببساطة تتحول ملامحنا و أسماؤنا و قصص حياتنا إلى مجرد أرقام فى نشرة أخبار .
Thursday, April 28, 2011
للحياة ألوان
![]() |
Picture by : Kirstin Notle http://www.artbykiki.com/gallery/main.php |
بعد قول صديقتي هذا، بات من الضروري بالنسبة لي أن أفكر فى السر وراء عدم الوضوح الذى يراه في البعض فيفسروني كيفما يتراءى لهم. بالنسبة إلى الأمر أبسط من كل الأطر التى يريد البعض أن يضعني فيها ليفهمني أو ليصنفني كعدو أو حبيب . إذا سلمت بأن تلك الصفات تبدو متعارضة فستكون النتيجة الحتمية هو أننى سأبدو فى نظر البعض بأني غير مفهومة أو مذبذبة أو متناقضة ، لكن إذا نظرت إلى الأمر من وجهة نظري ستجد أنه لا تعارض .
أحب الحلاج1 كما أحب تشي جيفارا .. هل تتعارض محبتي للحلاج الصوفي مع محبتى لجيفارا الشيوعي ؟ كلاهما كان يملك من الشجاعة ما جعلته يختار أن ينزل إلى الناس محبة فيهم و رغبة فى الإصلاح الاجتماعي و جهادا ضد ظلم وطغيان الحاكم، وكلاهما دفع حياته ثمنا لذلك الجهاد.
وهل يمكن أن يمنعني إسلامي من محبة غاندي الهندوسي واحترام جهاده ضد العنصرية عندما كان طالبا فى جنوب إفريقيا وضد الاحتلال البريطاني وضد الفرقة والتعصب الديني في الهند؟
أطرب لسماع النقشبندي، و تذوب روحى بل و أكاد أبكي عند سماعي إياه منشدا " مولاي إنى ببابك قد بسطت يدي، من لى ألوذ به إلاك يا سندي"، و يملأني المرح و أرقص وأنا أستمع إلى أغنية مايكل جاكسون the way you make me feel
تهزني اللحظة التى أسلم فيها عمر بن الخطاب بكل جبروته و قوته .. اللحظة التى لان فيها القلب الجسور إلى كلمة لا إله إلا الله .. ماذا وراءك يا عمر ؟ سأله جماعة من الناس .. ورائي لا إلله إلا الله و أن محمدا رسول الله .. أجاب عمر وسط ذهول الناس، ارتجفُ و أبكى فكأننى أسمع وأشعر بابن الخطاب و قد امتلأ بنور الله و بصدق محمد.
تبهجني زينة رمضان كما تبهجني زينة الكريسماس. أنير الفوانيس فى رمضان و أضيىء الشجرة فى الكريسماس. أولم يكن عيسى عليه السلام نورا على العالمين كمحمد صلى الله عليه و سلم؟
أعشق مشهد طواف الحجيج الذى يماثل حركة طواف الأفلاك و الجزيئات فى الكون .. تلبىة لنداء الخالق القادر البديع "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك" .
أتابع مسابقات الرقص اللاتيني بين الحين و الأخر، حيث تبهرني قدرات الجسد البشري في التحرك. أحب مشاهدة الرقص الشعبي بصفة عامة، خاصة رقصات فرقة رضا التى تحكي قصصا مصرية بالألحان والأغانى والحركات، والرقص الروسى المدهش الذي يعتمد بشكل أساسي على قوة عضلات الساق.
لا تحتار فى أمري إذا علمت أن رواية مثل "مريم الحكايا " للأديبة اللبناية علوية صبح تعجبني بالرغم من الجرعة المكثفة من المشاهد التى تعتمد على الوصف الحسي، ربما لو كنت محل ناشرها لطالبتها بتقليل تلك الجرعة واستخدام الايحاء بدلا من الوصف المباشر الجارح فى بعض الأحيان، لكني أتفهم تماما استخدامها للوصف الحسي كأداة للتعبير عن الظلم والقهر الذى تعانيه النساء ويعانيه مجتمع بأسره مسلوب الإرادة ومهزوم الروح.
للحياة ألوان أراها و أشعر بها وأدركها ببهجتها وقتامتها وأحيانا رماديتها. لا تحاول إذن أن تصنفني أو أن تضعني فى إطار نرجسي ضيق تحت أية مسميات أو أيدلوجيات. لا تحاول أن تعصب عيني وتسد أنفي وتصم أذني وتغلق فمي. ويحضرني هنا قول الحلاج "ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه"، أرى الله فى اختلاف ألواننا وثقافاتنا وأفكارنا، أراه فى فنوننا واختراعاتنا واكتشافاتنا، في رقصاتنا وإبداعات كلماتنا، في تناحرنا ومحبتنا، في لحظات قوتنا ولحظات ضعفنا.
للحياة ألوان .. أراها و اشعر بها.
للحياة ألوان .. أراها و اشعر بها.
[1] ولد الحسين بن منصور الحلاج حوالى منتصف القرن الثالث الهجرى. كان الحلاج من المتصوفة لكنه فيما يروى اختلف مع متصوفة عصره عندما نزل إلى الناس و جعل التصوف جهادا ضد الظلم و الاستبداد. اختلف المؤرخون حول الحلاج ، منهم من ينظر إليه كثائر على الظلم الاجتماعى و الطغيان فقد كان شاهدا على زمن تحلل الخلافة العباسية ، و منهم من يراه مجدفا و زندقيا. لكنى أجدنى ارتاح للرواية الأولى و للصورة التى رسمها صلاح عبد الصبور للحلاج فى مسرحيته الشعرية مأساة الحلاج ، فكم من مغير و ثاثر اتهم بالزندقة و التجديف لأنه كان محركا للعقل و الروح ، فكان مصير الحلاج كمصير سقراط
Saturday, April 23, 2011
يسعد أيامك يا نور
فى حال لم يكن هناك خطة واضحة لكيفية قضاء اليوم .. يعقب السؤال عدة اقتراحات لجعل اليوم مسليا من وجهة نظرها .. ما بين الخروج إلى ساحة الألعاب أو دعوة إحدى صديقاتها للعب معها أو مشاهدة فيلم كرتون أو الذهاب لشراء ألوان ماء جديدة و صلصال و غيرها من الأفكار التى لا تنضب أبدا
أما إذا كانت هناك خطة لرحلة أو لنزهة فتتحمس نور و تظل تحلم باليوم المقرر للقيام بتلك الرحلة أو النزهة و تسألنى و هى تحاول جاهدة أن تفهم الفرق بين الشهور و الأسابيع و الأيام و الفصول : " يعنى الصيف ده إمتى ؟ " و " يعنى ننام و نصحى ننام و نصحى نروح السيرك ؟ " .
تنظر نور إلى أيامها بإبتهاج ، فكل يوم يمثل لها مغامرة جديدة ، فتصحو على شوق و أمل فى قضاء يوم جميل . و عند حلول موعد النوم تصدر نور تصريحا بدرجة تسلية اليوم ، فهو إما كان مسليا " قوى " أو " شوية " أو " مش حلو قوى " ، و فى حالة كان اليوم من النوع الثالث فيبقى الأمل فى الغد فتقول و عيونها تنعس : " يمكن بكرة أحلى " .
صغيرتى كم أنت جميلة و مرحة و ذكية .. أدعو الله أن تحنو عليك الأيام يا نور ، و إن اشتدت و ستشتد فى وقت من الأوقات يا حبيبتى فأتمنى أن تظلي على ذات الأمل و الشوق بأن الغد سيحمل لك ما هو أجمل و أفضل ، و أن تعرفي أنك أنت من تصنعين هذا الغد بأفكارك و أحلامك التى لا تنضب . أتمنى يا نور أن تستيقظى كل صباح بابتسامتك الحلوة و بشوق و حب للحياة مهما بلغت درجة الصعوبات و الإحباطات و الإنكسارات . و أنا أكيدة يا نور أن بروحك المرحة و فطنتك ستجدين عند كل عثرة طريقا و مسلكا جديدا بإذن الله .
و يا رب يسعد أيامك يا نور ..
Subscribe to:
Posts (Atom)